وساوس الطلاق

يا شيخ أنا مبتلى- والله أعلم- بوسواس الطلاق؛ كلما قلت لزوجتي لفظًا يحمل معنى الفراق أو الخصام أو الطلاق أظل أفكر فيه وأشك في نواياي وقت أن قلته، لدرجة أنني أظل شارد الذهن وأفكر فيما قلت وأنني قد خربت بيتي بيدي، ويظل التفكير في النية وقت اللفظ يتدرج من التأكد أنني لم أكن أقصد الطلاق إلى الشك إلى التأكد أنني كنت أقصد الطلاق، وأظل أبعث لمواقع الفتوى، ودائمًا ما يردون عليَّ بأن اللفظ الذي قلته لا يوقع الطلاق.
وربما تجدون في بريدكم عدة رسائل مني أطلب منكم فيها الفتوى في بعض هذه الألفاظ، وقد أصبحت هذه الوساوس تلازمني، وكل أسبوع لي قصة مع لفظ جديد أظل أفكر فيه ليل نهار، وأطلب من الله رفع البلاء عني ولكن لا أجد فائدة من الدعاء.
السبب في حالتي بالوسواس أتى من ردود بعض الفقهاء عليَّ، وبعضهم ذو مركز وصيت في عالم الفتوى.
عمومًا أنا غير متأكد من هذا التشخيص، المهم يا شيخ أن الموضوع مختلف هذا الأسبوع؛ فمنذ يومين كنت أتحدث مع زوجتي حديثًا وديًّا وعاديًّا، وكانت تريد أن ترد لي ثمن سيارة كنت قد اشتريتها لها منذ عامين ولكنني كنت قد قرأت وسمعت فتوى بأنه ليس للزوج الحق في استرداد شيء أعطاه لزوجته؛ فقلت لها: لا يصح أن آخذ هذه النقود، هذا لا يصح.
وكررت هذه الجملة، ثم تذكرت أن هذه الفتوى تختص بالمطلقين، فكررتُ الجملة «لا يصح أن آخذ هذه النقود منك»، وكنت أريد أن أضيف أنه حتى في الطلاق لا يجب أن يأخذ الزوج ما أعطاه لزوجته، ولكنني لم أكمل الجملة لأنني كنت أخشى أن أقول لها جملة تحتوي على لفظ الطلاق ولو بالحديث عنه، لأني خائف ومرعوب من نفسي التي ستقول لي بعد ذلك أنني وقعت في الطلاق.
ومن وقتها وأنا أفكر وأشعر بضيق في صدري وأشعر أنني كان قصدي الطلاق وأن اللفظ الذي قلته كنت أقصد من ورائه أنني طلقتها، وبذلك لن أسترد منها شيئًا من هدايا وخلافه.
ورغم أنني متأكد من أنني لم أكن أريد أن أطلق زوجتي ولم أقصد بهذه الجملة أن أطلقها، إلا أنني ظللت أيامًا دائم التفكير والخوف من احتمال أن يقع الطلاق بمثل هذا الحديث، وأجد من يوسوس في نفسي: لا تخدع الله ونفسك، أنت كنت تقصد تقول الهدايا لا ترد؛ لأنك طلقتها.
ولا أدري هل هو حديث صدق أم وسواس خناس ملعون أم وسوسة نفس لوامة.
عمومًا مع أن اعتقادي الأكبر أن هذه الواقعة مجرد وسواس، ورغم ذلك أتتني اليوم نفس الأفكار مرة أخرى، وإذا بي أغلق على نفسي الحجرة بمفردي وأتكلم مع نفسي في حوار حتى أرد على هذه الشكوك، فقلت لنفسي بصوت مسموع الجمل الآتية:
إن كل الذي قلته: «الهدايا لا ترد، لا يصح إرجاعها» كان قصدي به أن أبين فتوى العلماء التي قرأتها وسمعتها، إذا أصبحت طالقًا.
وكانت الجمل تأتي تباعًا، وكان بين الجملة والأخرى ثوان قليلة، وكانت الجملة الأخيرة تكملة للجملة التي سبقتها، وكانت مجرد سخرية واستهزاء من الأفكار التي تراودني.
يعني أنني كنت أقصد كل الكلام إجمالًا؛ لأنني قلت: «الهدايا لا ترد؛ إذا أصبحت زوجتي طالقا»، وليست في صيغة سؤال بل في صيغة سخرية واستهزاء من الأفكار التي تراودني في صورة شكوك ووساوس وأنا متأكد من أنني لم أكن أقصد من هذه الجملة أن أطلق زوجتي.
وأقسم بالله أنني لم يكن عندي أي رغبة في طلاقها، كنت فقط أهزأ وأنتقد هذه الأفكار، كأنني أقول ساخرًا من نفسي: لأنني قلت لزوجتي «الهدايا لا ترد» تكون النتيجة أنني طلقت زوجتي.
وإذا بي أصاب بحزن عميق لأنني قلت هذه الجملة الجديدة، «إذا أصبحت زوجتي طالقًا»، ورجعت الشكوك وضيق الصدر أكبر من الأول، وأصبحت الآن أرد على الوسواس الجديد وأقول لنفسي: إنني كنت أسخر من الشك الذي يراودني. فأجد الرد: إن الطلاق جده جد وهزله جد. ثم أتذكر أن حديث النفس لا يقع به الطلاق فأجد الرد يقول: إنني كنت أتحدث بصوت مسموع. ثم أتذكر فتوى تقول: إن الحديث عن الطلاق بفعل الماضي لا يقع، وبالذات لو كان كذبًا، وهنا فيه كذب؛ لأنني اعتبرتها قد طلقت لأنني قلت لفظا ما، وهذا اللفظ لا يقع به الطلاق.
أحاول جاهدًا أن أشفي نفسي من القوى التي تسيطر علي وتحاول إقناعي أنني قد خربت بيتي وطلقت زوجتي بهذا اللفظ الأحمق الذي كنت أسخر به على من يشكك في نفسي.
بالله عليكم يا شيخ ما هو ردكم وفتواكم على كل ما يجري ويحدث لي؟ أتمنى أن أعرف هل هذه وساوس؟ وهل من علاج؟ أرجو ألا تتأثرون بالمقدمة التي ذكرتها لكم وأن تحكموا على الواقعة التي ذكرتها، علمًا بأن زوجتي لا تدري شيئًا عما يدور بنفسي من تساؤلات أو أحاديث أو حتى ما قلته لنفسي اليوم.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأسأل الله لي ولك العافية، ألق هذه الوساوس وراء ظهرك، لا تلق لها بالًا ولا تقم لها وزنًا، واعلم أن الشيطان يريد أن يكدر عليك عيشك وأن يبغض إليك عبادتك لربك، فلا تعطه هذه الفرصة، ولا تعنه على نفسك، بل استعذ بالله منه، وقل: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. وأقبل على شأنك فأصلحه، وكن دائمًا على طهارة، ولا تنم إلا على ذكر وعبادة، وأكثر من قراءة آية الكرسي واجعلها آخر ما تختم به يومك وأول ما تفتتحه به.
وأسأل الله لي ولك العافية، والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend