في البداية أنا مصاب بمرض الوسواس القهري في الطلاق، وأصبحتُ أعاني منه بشدة، فكلُّ كلمة أُفكِّر فيها حتى إن كنت لا أفكر في زوجتي حينها، يأتيني الوسواس ويشككني: هل أنت قلت هذا الكلام أم لا؟
فاليوم كنت أشاهد التليفزيون وبه أحد الإعلانات عن السياحة في أحد البلدان الإسلامية، وكان من ضمن الإعلان أن رجلًا يقبل امرأة وربما تكون زوجته أو لا، ولكنني حينها تذكرت السلوك غير السوي في البلدان الغربية ألا وهو الصداقة بين الرجل والمرأة بدون زواج. فقلت: كيف تسمح الدول الإسلامية أن يحدث ذلك على أراضيها؟
وحينها تخيلت أن هذا الرجل الذي في الإعلان يقول عن المرأة: «هذه ليست زوجتي هذه صديقتي»، وكالعادة عندما أتخيل أي شيء، شككت أنني نطقت هذه الجملة أو حركت بها لساني: «هذه ليست زوجتي هذه صديقتي». وأنا كنت حينها أتخيل أن هذا الرجل الذي في الإعلان هو الذي يقولها.
ولكنني حينما شككت أني نطقتها أثناء التخيل، أصابني الوسواس، وجاءت زوجتي إلى مُخيِّلتي، ومن حينها يأتيني الشيطان ويوسوس لي، فهل أنت قلت ذلك وأنت تتحدث عن نفسك وتفكر في زوجتك؟ وأنا بالطبع لم أكن أفكر في نفسي ولا في زوجتي، ولكنني لا أعرف ماذا أفعل، فهل إذا كنت قد نطقت هذه الجملة وأنا أتخيل هذا الرجل الذي في الإعلان يقولها: «هذه ليست زوجتي هذه صديقتي»، هل يقع بها شيء؟
مع العلم أنني لم أكن أفكر في الطلاق أساسًا، ولم أكن أفكر بزوجتي من الأساس، ولكن من شدة خوفي جاءت زوجتي لمخيلتي، وبالتالي أصبح الوسواس يشككني: هل أنت قلت ذلك وأنت تتحدث عن نفسك وتفكر في زوجتك؟
ولكن مشكلتي الحقيقية يا فضيلة الشيخ هي أنني أعرف أن الطلاق لا يقع بالتخيلات، وأعرف أن مريض الوسواس القهري وإن قال الكلمة صريحة لا يقع طلاقه إلا إذا قصد إليه عن رضًا وطمأنينة.
ولكن ما يحدث لي والذي أتمنى من الله أن تساعدني في تجاوزه، هو أنني عندما أفكر في أي شيء أو أتخيله أتوهم ويأتيني الوسواس أنني نطقت بلساني ما أفكر فيه، وإذا كنت لا أفكر في زوجتي ولا في الطلاق، ولكن من خوفي تأتي زوجتي في خيالي، فيأتيني الوسواس ويشككني في تفكيري ونيتي، وإذا قلت لنفسي إنني مريض ولا يقع الطلاق حتى وإن كنت نطقت، يأتيني الوسواس ويقول لي ماذا كنت تقصد؟
فأصبحت ألوم نفسي على تفكيري في أي شيء، أو تخيلي لأي شيء، أصبحت أخشى أن أتحدث مع أي شخص حتى لا ألوم نفسي إن حدث شيء، أصبحت أخشى أن أشاهد التليفزيون حتى لا أَسرح بخيالي كما حدث لي فيما ذكرته لحضرتك حول هذا الإعلان.
فأرجو من الله أن تُفتيني في أمري؛ فهل إذا كنت قد نطقت هذه الجملة وأنا أتخيل هذا الرجل الذي في الإعلان يقولها: «هذه ليست زوجتي هذه صديقتي». هل يقع بها شيء؟
مع العلم أنني لم أكن أفكر في الطلاق أساسًا ولم أكن أفكر بزوجتي من الأساس، ولكن من شدة خوفي من أن أكون نطقت ذلك جاءت زوجتي إلى مخيلتي، وبالتالي أصبحت أُشكِّك في نفسي، وفي نيتي، وفي الموقف أساسًا، ويأتيني الشيطان ويقول لي: هل أنت قلت ذلك وأنت تتحدث عن نفسك وتفكر في زوجتك؟ وبالطبع هذا لم يحدث، ولكنه الوسواس الذي لا أستطيع أن أتخلص منه.
وأرجو أن توجهني إلى كيفية التخلص من التخيلات، وما يتبعها من شكوك في نطق ما أتخيله؛ حيث كان ذلك يحدث لي في البداية مرة في الشهر مثلًا، ولكنه أصبح الآن يحدث لي 10 مرات في اليوم تقريبًا، وشكرًا لكم، وجزاكم الله كلَّ خير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فماذا أقول لك يا بني أكثر مما قلناه من قبل مرارًا على هذا الموقع؟!
إن الطلاق لا يقع بالتخيلات ولا بالوساس، وإن المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقُه ولو صرح به وسمعه الناس جميعًا، إلا إذا قصد إليه عن رضًا وطمأنينة؛ لأنه مستغْلَق عليه طوال الوقت، و«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ»(1).
وسؤالك الذي تسأله جوابه البيِّن والجلي في هذه العبارات، والغريب أنك تعرفها! ولكن لا تطاوعك نفسك على استيعابها والانتفاع بها.
ذكِّر نفسك يا ولدي أن الذي يؤزك على هذه الوساوس هو الشيطان، وأن الشيطان عدو لك ولزوجك، وأنه يريد أن يفسد العلاقة القائمة بينكما، فلا تُعِنْه على ذلك، بل اتخذه عدوًّا.
استعن بالله، وتحصَّن بالأوراد والأذكار المأثورة، اتَّخذ لك رفقة صالحة، تُذكِّرك بالله وتعينك على طاعته، وإن اقتضى الأمر الذهاب إلى بعض الأطباء النفسيين فلا حرج في ذلك، «فَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ»(2).
ولكن تخيَّر الصالحين منهم، فإن هذا العالم يكثر فيه الأدعياء وأصحاب المدارس الهدامة.
وأخيرًا أدعو الله لك أن يمسح عليك بيمينه الشافية، وأن يجمع لك بين الأجر والعافية. والله تعالى أعلى وأعلم.
————————–
(1) سبق تخريجه.
(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون» حديث (5269)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب» حديث (127) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.