كيف حالك يا فضيلة الشيخ الدكتور صلاح، أرجو أن يتَّسع صدرك لحديثي.
أنا شاب كتبت كتابي منذ حوالي أسبوعين، ولم أدخل بزوجتي حتى الآن، وكنت أنتظر يومَ كَتْب كتابي بفارغ الصبر؛ لأني أحب زوجتي جدًّا وهي تحبني جدًّا، وبعد كَتْب الكتاب بيوم بدأ معي ما يسمى بحديث النفس، أي أنني أحدث نفسي أنني أطلق زوجتي دون التلفظ بلساني، وذلك دون أي سبب، فتصفحت مواقع الفتاوى عبر الإنترنت، فعلمت أن حديث النفس لا يقع به الطلاق؛ لأن الله لا يؤاخذ الإنسان بما حدَّث به نفسه، وأثناء قراءتي للفتاوى علمت أن هناك ما يسمى بطلاق الكناية، وهو أن الرجل أثناء حديثه مع زوجته إذا قال لها لفظًا يدلُّ على الفراق، مثل: روحي لأهلك. أو ما شابه ذلك، وكانت نيته الطلاق عند تلفظه بهذا اللفظ، فيقع الطلاق في الحال، ومنذ أن علمت بهذا النوع من الطلاق وأنا أخاف جدًّا وأحذر جدًّا أن يصدر مني لفظ يدل على الفراق أثناء حديثي معها.
وفي يوم ما كانت راجعةً من شغلها، وأنا كنت بالمنزل، فكلمتني كي تمر عليَّ ونخرج لنتناول الطعام بالخارج، فقلت لها: طيب ادخلي البيت عندنا على ما أغير هدومي وأنزل معاكي.
فقالت: لا، ملوش لزوم؛ لأن والدتك وأختك نائمين، وأنا هبقى محرجة.
قلت لها: لا، عادي، مفيهاش حاجة.
فقالت: بلاش؛ لأني هبقى محرجة إذا حد صحي من نومه ولقاني هنا.
فقلت لها وأنا متضايق: براحتك.
ثم شككت في نيتي بعدها: هل كنت أقصد بكلمة «براحتك»: أي كما تشائين، لو أنك لا تريدين ذلك فلا تدخلي؟ أم أن قصدي بهذه الكلمة أنني فارقتك فتصرفي كما تشائين؟
ونزلت وخرجت معها، لكنني أثناء جلوسي مع نفسي شردت بذهني وظللت أفكر في نيتي وأكرر الموقف بالكلام مع نفسي وأقول نفس الكلمة مرة ثانية وثالثة حتى أتذكر ماذا كانت نيتي حين قلت: «براحتك»، ثم تغاضيت عن هذا الموقف لأني أشك في نيتي، وعلمت أن اليقين لا يزول بالشك.
وفي يوم كنا نتحدث في التليفون، وكانت متضايقة قليلًا، فأخذت أصالحها وأمزح معها، لكنها ظلت متضايقة، فتضايقت أنا أيضًا لأني أحاول أن أصالحها وهي لا تزال متضايقة، وكنا متفقين على أننا سنخرج.
فقلت لها: هنخرج ولا إيه؟
فقالت: ماشي، نخرج.
لكني شعرت أنها ليس لديها مزاج للخروج، فقلت لها: لو مش عايزة خلاص.
ولكن قبل أن أقول جملة «لو مش عايزة خلاص» كانت نيتي أني أقولها على موضوع الخروج، لكني بمجرد أن نطقت كلمة «لو مش عايزة» وجدت نفسي من داخلي لا أتكلم على الخروج، وكأني أقول لها: لو مش عايزة نكمل مع بعض خلاص.
وشعرت أني وأنا أقول هذه الجملة أني عندي رغبة من داخلي أو إرادة من القلب ونية في الانفصال فعلًا، لكن بعد ثوانٍ من هذه الجملة، قلت في نفسي: هو أنا كده قولت طلاق الكناية؟! والرغبة اللي جوايا هي دي نيتي؟!
وحزنت حزنًا شديدًا جدًّا لإحساسي أني بذلك قد طلقتها، وظللت أقول: ليه أنا قلت كده، ده أنا بحبها جدًّا، وده أصلًا مش موقف نتخانق أو ننفصل عشانه.
وظللت متضايقًا جدًّا، وأيضًا ظللت أكرر الحوار الذي دار بيننا مع نفسي حتى أصل إلى جملة: «لو مش عايزة خلاص» كي أنطقها بلساني كي أجد مخرجًا يجعلني أشعر أنني بذلك لم أطلق زوجتي، كي أستريح من الهم والضيق الذي أشعر به.
كان رد زوجتي على جملة: «لو مش عايزة خلاص» هو: لا، مفيش مشكلة، نخرج عادي.
وبالفعل نزلنا وخرجنا؛ لأنها لم تشعر نهائيًّا من كلامي أني أقصد حاجة غير موضوع الخروج.
وظللت أحلل الجملة حتى أجد حلًّا لمصيبتي وأقول لنفسي: أنا قلت لزوجتي: «لو مش عايزة نكمل»، أي أنني بهذه الصيغة كان قصدي أني أُخيِّرها فلا يقع الطلاق إلا إذا اختارت هي.
وأجد لنفسي مُبرِّرًا آخر أو تحليلًا آخر، وهو أن نية طلاق الكناية يجب أن تكون جازمةً وبلا تردد، وحزني الشديد لإحساسي أنني طلقتها، هو دليلٌ على عدم وجود نية جازمة في الطلاق.
ثم أجد مبررًا ثالثًا، وهو جملة «لو مش عايزة خلاص»، ليست من كنايات الطلاق، طالما أنني لم أقل الجملة بهذه الصيغة: لو مش عايزة نكمل مع بعض خلاص. وبالتالي لا يقع بها الطلاق.
ثم يهدأ قلبي ويطمئن قليلًا، وسرعان ما أعود مرة أخرى للهمِّ والحزن وأقول لنفسي: لا تضحك على نفسك؛ لأن جملة «لو مش عايزة خلاص» مع وجود نية الطلاق وقت قول الجملة يوقع الطلاق في الحال.
يا شيخي الكريم، إني أسأل نفسي أسئلة كثيرة أريد أن أجد جوابًا عنها:
1- هل جملة «لو مش عايزة خلاص» تعتبر من كنايات الطلاق إذا كانت نيتي الطلاق؟ وحتى لو لم تفهم زوجتي معنى آخر لهذه الجملة غير أني أقصد «لو مش عايزة تخرجي خلاص»؟
2- هل جملة «لو مش عايزة خلاص» تعني أنني أُخيِّر زوجتي؟ حتى لو أنني أشعر أنني لم أكن أخيرها؟
3- هل أنا موسوس في موضوع الطلاق؟ فلأجل أنني موسوس فلا يقع طلاقي إلا إذا كنت هادئًا ومطمئنًّا، فما الذي يُعرِّفني أنني كنت هادئًا ومطمئنًّا عندما قلت ذلك؛ لأني لا أفهم ما معنى أن أكون هادئًا ومطمئنًّا، وأخاف أن أكون أكذب على نفسي، وأكون فعلًا كنت هادئًا؟
4- هل أنا فاهم لنية طلاق الكناية فهمًا خطأ؟
5- هل الوسوسة بالطلاق أثرت على تفكيري وجعلتني أُحسُّ وأنا أتحدث مع زوجتي وإذا حصل بيننا مشادة بسيطة أنني بمجرد قولي أية كلمة تدلُّ على الفراق، فأحس أن نيتي أنني أطلقها، وأن قلبي يريد الطلاق؟
6- مع العلم بأني أيام الخطوبة وقبل أن أعرف أن هناك حاجة اسمها طلاق الكناية، إذا حصل بيننا أي مشادة وحصل مشادة بيني وبينها، لم يخطر ببالي أبدًا أن أتركها أو أفارقها مهما حصل؛ لأني أحبها جدًّا، وهي أيضًا تحبني جدًّا، وكلها مشادات بسيطة جدًّا لا تستوجب الطلاق أبدًا.
7- أنا اتصلت بدار الإفتاء المصرية خمس مرات، وتحدثت إلى خمسة شيوخ، وفي كل مرة أفتاني كل منهم بأنني موسوس ولم يقع الطلاق، والذي يجعلني أعاود الاتصال بهم هو أنني أشعر بعد كل مكالمة مع أحدهم أنني لم أستطع وصف ما حدث بالضبط بيني وبين زوجتي، وبالتالي أشعر بأن حديثي ناقص ويترتب على ذلك أن الفتوى تكون غير صالحة.
لقد تعبت نفسيًّا جدًّا بسبب كل هذا الذي يدور بداخلي، لدرجة أنني لا أستطيع أن أركز في عملي، وأشعر بوجع في معدتي من كثرة الضيق والتفكير.
أرجو أن تساعدني، وأن تعطيني إجابة لكل ما يدور بداخلي، حتى أرتاح.
آسف جدًّا على إطالة الحديث، لكن أرجو أن تلتمس لي العذر.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فكونك تعاني من وسوسة قهرية لا يخفى على من يطالع رسالتك، والحالات التي ذكرتها لا يقع بها الطلاق، فهذه المكابدات والعذابات تعني أنك كاره للطلاق ولا تريده.
والطلاق الكنائي لا يقع إلا مع النية، وفيما ذكرت لم توجد نية للطلاق، فلا تُدخل نفسك في هذه المحرقة، بل إن مثلك لو تلفَّظ بالطلاق الصريح فلا يقع إلا إذا كان يريده فعلًا وهو قاصدٌ إليه عن رضًا وطمأنينة، لأنك مستغلق عليك طوال الوقت، و«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» (1)، ولم يقع شيءٌ من ذلك.
ومن العجيب أن تجعل من قولك لزوجتك: «لو مش عايزة خلاص» قضية، ولو صح أنك قد قصدت تخييرها فالزوجة قد اختارتك وقُضِي الأمر، وانتهى هذا اللفظ وأثره، فلماذا تستدعيه طوال الوقت لتوقد به نارًا فتحرق بها نفسك؟!
يا بني لا تكثر من التفكير في هذه الوساوس، بل اقطع مبادئها واعرض عنها، ولا تُكثر من القفز بين المفتين، والبحث في الإنترنت عن فتاوى جاهزة معلبة مشابهة لحالتك؛ فإن هذا مما يزيد الأمر تعقيدًا، ولكن إذا نزلت بك نازلة ارفعها إلى من تثق في علمه وديانته واتبع فتواه.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 276) حديث (26403)، وأبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في الطلاق على غلط» حديث (2193)، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «طلاق المكره والناسي» حديث (2046)، والحاكم في «مستدركه» (2/ 216) حديث (2802). من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وحسنه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (2047).