أَفتِنا شيخنا الكريم في رجلٍ من أهل البلاء طلَّق زوجتَه بعد تناول جرعة مخدرة «كوكايين» ثم راجعها ثم طلَّقها في نفس الليلة، هل يُعتَدُّ بهذا الطلاق؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن كان قد طلَّقها وهو سكران بتأثير هذا المخدر، فإن في وقوع طلاق السكران خلافًا بين أهل العلم، والأظهر عدم وقوعه لغياب العقل الذي هو مناط التكليف، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية :(1)، وإن كان الجمهور على خلاف ذلك(2).
فدَعْهُ يُراجع أقرب أهل العلم إليه ليتعرف منه على تفاصيل حاله ويُفتيه بما يظهر له في نازلته.
ونسأل الله أن يوفقه إلى توبة صادقة يرفع بها عنه البلاء، ويكشف بها عنه العذاب، اللهم آمين. والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________
(1) جاء في «الفتاوى الكبرى» من كتب الحنابلة (5/488-489): «ولا يقع طلاق السكران، ولو بسكر محرم».
(2) جاء في «بدائع الصنائع» من كتب السادة الحنفية (3/99-100): «وأما السكران إذا طلق امرأته فإن كان سكره بسبب محظور بأن شرب الخمر أو النبيذ طوعًا حتى سكر وزال عقله فطلاقه واقع عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم… (ولنا) عموم قوله عز وجل: {الطلاق مرتان} إلى قوله سبحانه وتعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} من غير فصل بين السكران وغيره إلا من خص بدليل. وقوله عليه الصلاة والسلام: «كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمعتوه»، ولأن عقله زال بسبب؛ هو معصية فينزل قائمًا عقوبة عليه وزجرًا له عن ارتكاب المعصية».
وجاء في «مواهب الجليل» من كتب المالكية (4/43): « ص (ولو سكر حرامًا) ش: قال في التوضيح: وتحصيل القول في السكران أن المشهور تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود ولا تلزمه الإقرارات والعقود».
وجاء في «مغني المحتاج» من كتب الشافعية (4/455-456): «(يشترط لنفوذه) أي الطلاق من المطلق منجزًا كان أو معلقًا (التكليف)… (إلا السكران) المتعدي بسكره كأن شرب خمرًا أو دواءً مجننًا بلا حاجة فيصح منه، ولو كان السكر طافحًا عليه بحيث يسقط كالمغمى عليه مع أنه غير مكلف كما نقله في الروضة عن أصحابنا وغيرهم في كتب الأصول؛ تغليظًا عليه لعصيانه بإزالة عقله فجعل كأنه لم يزل».
وجاء في «كشاف القناع» من كتب الحنابلة (5/234-235): «(ويقع طلاق من زال عقله بسكر ونحوه) كمن شرب ما يزيل العقل عالمًا به محرم بأن يكون مختارا عالما به (ولو خلط في كلامه وقراءته أو سقط تمييزه بين الأعيان فلا يعرف متاعه من متاع غيره أو لم يعرف السماء من الأرض ولا الذكر من الأنثى ويؤاخذ) السكران ونحوه (بأقواله وأفعاله وكل فعل يعتبر له العقل من قتل وقذف وزنا وسرقة وظهار وإيلاء وبيع وشراء وردة وإسلام ونحوه) كوقف وعارية وغصب وقبض أمانة لأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد بالقذف ولأنه فرط بإزالة عقله فيما يدخل فيه ضررًا على غيره فألزم حكم تفريطه عقوبة له».