قال لي زوجي وهو مخمور: أنت مطلقة من اليوم. فهل يجب عليَّ أن أسأله إن تذكر أم لا بعدما استيقظ؟ علمًا بأنه شرب طول الليل، وهذه الحادثة مر عليها حوالي عامان، وعلمًا بأنه الآن تاب ويصلي في المسجد.
وقد قال مرة لابنته ذات الأربع السنوات: تحرم علي أمك إن اشتريت لك شيئًا. وكان قصده المنع، وطبعًا اشترى لها. فما الحكم؟ أفيدوني وجزاكم الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن جمهور أهل العلم على وقوع طلاق السكران(1)، وقد خالف في ذلك بعضُ أهل العلم ورأوا أن في إيقاع طلاقه وقد فَقَد العقل الذي هو مناط التكليف إحداثًا لعقوبة لم يأذن بها الشرع.
وقد جاء في وثيقة مجمع فقهاء الشريعة للأحوال الشخصية ما يلي:
المادة (6): يُشترط في المُطلِّق العقل، والاختيار، فلا يقع طلاق الصغير، والمجنون، والمعتوه، والمكره، والسكران، ومن بلغ به غضبه مبلغ الإغلاق ففقد معه إدراكه لما يقول وما يفعل.
وبناء على ذلك فلا يقع طلاقه، فلا تخبريه بما كان منه، لاسيما وقد تاب إلى الله عز وجل.
أما قوله لابنته ذات الأربع السنوات: تحرم علي أُمك إن اشتريت لك شيئًا. فإن قصد به الحلف كما هو ظاهر العبارة وسياقها فإنه يكون يمينًا مكفَّرة، يخرُج من تبعتها عند الحنث بكفارة يمين ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 89].
ونسأل الله أن يُقيل عثرته، وأن يغسل حوبته، وأن يغفر خطيئته. والله تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) جاء في «بدائع الصنائع» من كتب السادة الحنفية (3/99-100): «وأما السكران إذا طلق امرأته فإن كان سكره بسبب محظور بأن شرب الخمر أو النبيذ طوعًا حتى سكر وزال عقله فطلاقه واقع عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم… (ولنا) عموم قوله عز وجل: {الطلاق مرتان} إلى قوله سبحانه وتعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} من غير فصل بين السكران وغيره إلا من خص بدليل. وقوله عليه الصلاة والسلام: «كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمعتوه»، ولأن عقله زال بسبب؛ هو معصية فينزل قائمًا عقوبة عليه وزجرًا له عن ارتكاب المعصية».
وجاء في «مواهب الجليل» من كتب المالكية (4/43): « ص (ولو سكر حرامًا) ش: قال في التوضيح: وتحصيل القول في السكران أن المشهور تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود ولا تلزمه الإقرارات والعقود».
وجاء في «مغني المحتاج» من كتب الشافعية (4/455-456): «(يشترط لنفوذه) أي الطلاق من المطلق منجزًا كان أو معلقًا (التكليف)… (إلا السكران) المتعدي بسكره كأن شرب خمرًا أو دواءً مجننًا بلا حاجة فيصح منه، ولو كان السكر طافحًا عليه بحيث يسقط كالمغمى عليه مع أنه غير مكلف كما نقله في الروضة عن أصحابنا وغيرهم في كتب الأصول؛ تغليظًا عليه لعصيانه بإزالة عقله فجعل كأنه لم يزل».
وجاء في «كشاف القناع» من كتب الحنابلة (5/234-235): «(ويقع طلاق من زال عقله بسكر ونحوه) كمن شرب ما يزيل العقل عالمًا به محرم بأن يكون مختارا عالما به (ولو خلط في كلامه وقراءته أو سقط تمييزه بين الأعيان فلا يعرف متاعه من متاع غيره أو لم يعرف السماء من الأرض ولا الذكر من الأنثى ويؤاخذ) السكران ونحوه (بأقواله وأفعاله وكل فعل يعتبر له العقل من قتل وقذف وزنا وسرقة وظهار وإيلاء وبيع وشراء وردة وإسلام ونحوه) كوقف وعارية وغصب وقبض أمانة لأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد بالقذف ولأنه فرط بإزالة عقله فيما يدخل فيه ضررًا على غيره فألزم حكم تفريطه عقوبة له».