طلاق الرجل زوجته العاصية

رجل مسلم تزوج امرأة مسلمة، وكلاهما لم يكن من المصلين أو الملتزمين بفرائض الإسلام، بعدها أصبح الزوج يصلي وزوجته ما زالت لا تصلي ولا تلتزم باللباس الإسلامي، طلب الزوج منها مرارًا أن تصلي وتلتزم فلم تفعل، وله منها أطفال.
فهل يكف عن تذكيرها بالصلاة واللباس الإسلامي لأنها لم تستجب له؟ أم يستمر في تذكيرها وإلى متى، أم يطلقها ويبحث عن امرأة ملتزمة بفرائض الإسلام؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
لقد فرضت الشريعة المطهرة على المؤمنين وقاية أنفسهم وأهليهم من النار وذلك بحملهم على طاعة الله عز وجل، والحيلولة بينهم وبين ما يسخطه، وإلى هذا المعنى يشير قول الله جل وعلا ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6].
يقول قتادة في معنى هذه الآية: تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله.
وأن تقوم عليهم بأمر الله، وتأمرهم به وتساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية قذعتهم عنها وزجرتهم عنها، قال تعالى آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه: 132].
وقد تمدح الله عبده إسماعيل بقيامه بذلك فقال: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴿54﴾ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [مريم: 54- 55]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
والزوجة أولى وأحق بالمساءلة من رعاية دنياها!
ومما أمر الله به عباده المؤمنين الصلاة وستر العورات، وقد استفاض الأمر بإقام الصلاة في القرآن الكريم وأصبح من المعلوم من الدين بالضرورة بما يستغني معه عن سوق الأدلة عليه:
قال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة: 43]، وقال تعالى: وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 33].
وأمر بالمحافظة عليها فقال تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة: 238].
وجعل من إقامة الصلاة مناطًا للعصمة، وغاية ينتهي إليها القتال، فقال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة: 5].
وجعلها مناط الأخوة في الدين، فقال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة: 11].
وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة أحد مباني الإسلام العظام، فقال: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ…» متفق عليه، وبين أن ترك الصلاة مهواة في الكفر فقال: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ تَرْكَ الصَّلَاةِ» رواه مسلم عن جابر، وقال: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» رواه أحمد وأصحاب السنن.
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: كان أصحاب محمد لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي والحاكم.
وبين أن تارك الصلاة يُحشر مع أئمة الكفر يوم القيامة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ب عن النبي أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا وَلَا بُرْهَانًا وَلَا نَجَاةً، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ» رواه أحمد والطبراني وابن حبان.
ولقد كان عمر بن الخطاب يكتب إلى الآفاق: إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
فكل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالإسلام مستهين به، وإنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة، وإن قدر الإسلام في قلب العبد كقدر الصلاة في قلبه!
وكما أمر الله تعالى بالصلاة فقد أمر نساء المؤمنين خاصة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته لشرفهن بالتصون وستر العورات، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب: 59] وذلك ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء.
وقال تعالى آمرًا المؤمنات بغض البصر وحفظ الفروج وعدم إبداء الزينة لغير الزوج والمحارم: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].
ونهاهن عن التبرج الذي كانت عليه الجاهلية الأولي، فقال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ [الأحزاب: 33].
والتبرج الذي كان يومئذ أن تلقي المرأة الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها فيبدو كل ذلك منها.
وتوعد السافرات الكاسيات العاريات بألا يدخلن الجنة ولا يجدن ريح الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ المَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا».
وعلى هذا فلا ينبغي للرجل أن يكف عن دعوة أهله إلى الالتزام بما فرض الله عليهن من الصلاة والحجاب، وأن يبذل في سبيل حملهن على ذلك أقصى ما وسعه الجهد، وألا يستحسر أو ينقطع، وأن يدرك أن ولايته على أهله ليست مجرد ولاية بيان ونصيحة فحسب، وإنما هي ولاية تنفيذ وإلزام باعتبار ما جعل الله له عليهم من القوامة وما أوجب عليهم من الطاعة.
ومن ناحية أخرى فإننا لا ننصحه في مثل هذه البلاد بالطلاق، لأن البديل المتوقع في حالة الطلاق هو مزيد من الضياع والفتنة، ومزيد من الذوبان والشرود، ولا يخفى أن مبنى الشريعة تحقيق أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend