أثناء خلاف بيني وبين زوجتي كنت غاضبًا جدًّا ولم أشعر بنفسي إلى أن قلت لها: «علي الطلاق لو خَرَجْتِ من باب البيت…» ثم تذكرت أنني بصدد يمين طلاق، فسكتُّ ثم سمعتُ صوتًا كأنه يكلمني يقول: أكمل اليمين. فأكملت وقلت لها: «علي الطلاق لو خَرَجْتِ من باب البيت تكوني طالقًا». ثم حسبت نيتي الطلاق إذا فعلت ذلك، وكنت أقصد بالخروج الذهاب إلى بيت أبيها وهي غاضبة، وتدخل بعض الناس وهدأت الأمور ولم تخرج في ذلك اليوم الذي أقسمتُ عليها فيه، ولا في اليوم الذي يليه، وفي اليوم الثالث أفاقت من النوم غاضبة وذهبت إلى بيت أبيها، وقالت: أني ذاهبة إلى الطبيب. وأقامت هناك، وأنا أشك في نيتي أكانت منعَها من الذهاب إلى بيت أبيها في ذلك اليوم الذي أقسمتُ عليها فيه أو تتعدى ذلك إلى الأيام التالية، ولكن ما أنا على يقين منه أنني لم أكن أريد منعها من الذهاب إلى بيت أبيها مغضبةً بشكل مُطلق ونهائي، فنحن كثيرو الخلاف ولابد في يوم من الأيام أن تذهب مغضبة إلى بيت أبيها، وكان ذلك في طُهر واقعتها فيه وعلمت قولَي العلماء في مسألة الطلاق في الحيض والنفاس والطهر المجامع فيه، ودرست ذلك جيدًا، وبحثت في ذلك كثيرًا جدًّا، واقتنعت تمامًا بقول المانعين لوقوع الطلاق البدعي وإن خالف قولَ الجمهور، واطمأن قلبي إليه.
والسؤال: هل في عدم ذهابها إلى بيت أبيها في اليوم الأول إبرارٌ بالقسم أم في ذهابها في اليوم الثالث حنثٌ به؟ وما هذا الصوت الذي سمعته ودفعني إلى إكمال اليمين؟
هل عليَّ مِن حرج إذا أخذت بقول المانعيين لوقوع الطلاق البدعي عن اقتناع به؟ شكرًا وبارك الله فيكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فمردُّ الأمر فيما ذكرت إلى نيَّتِك، ويمكنُ الاستعانة على تحديدها من خلال بساط الحال الذي أُنشئت فيه اليمين، وأنت أقدر الناس على تحديد ذلك؛ لأنه أمرٌ لا يُعلم إلا من قبلك، وأنت تقول: « يقين منه أنني لم أكن أريد منعها من الذهاب إلى بيت أبيها مغضبةً بشكل مُطلق ونهائي، فنحن كثيرو الخلاف ولابد في يوم من الأيام أن تذهب مغضبة إلى بيت أبيها».
وبناء على ذلك فأرجو أن تتدبَّر أمرك في هدوء لتجيب مُفتيك على هذا السؤال: ما هي نيتك بمنع زوجتك من الخروج وإلا كانت طالقًا؟ أهو المنع المطلق (ذلك ما نفيته بل وجزمت بنفيه) أم هو المنع في هذا اليوم وما حوله وما كان قريبًا منه؟ أم هو المنع من الخروج في ذلك اليوم فحسب؟
يرجى تدبر الموقف بهدوء، وفي ضوء إجابتك يكون الجواب على سؤالك وتكون الفتوى. وعند التردد، نبني على استبقاء العصمة؛ لأنها الأصل الثابت بيقين، واليقين لا يزول بالشك.
أما الطلاق البدعي فمذهبنا أنه واقع ويُعتد به مع تحريمه، لكن المسألة في محلِّ الاجتهاد، فإن كنت قد نظرت في المسألة نظرًا فاحصًا عميقًا، وانتهى نظرُك إلى القول بعدم وقوعه فلك أن تبني على ما انتهى إليه نظرك.
أما الصوت الذي سمعته يحرضك على استكمال اليمين فهذه لمة الشيطان بك، فهو الحريص على خراب البيوت العامرة، وهو أكثر المخلوقات حفاوةً بالطلاق، فليتك عصيته. فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْـمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً. يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا». قال: «ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ». قال: «فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نَعَمْ، أَنْتَ». قال: «فَيَلْتَزِمُهُ»(1). والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «صفة القيامة والجنة والنار» باب «تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس» حديث (2813).
حلف يمين طلاق على زوجته أن لا تذهب إلى أبيها مغضبة فذهبت بعد يومين
تاريخ النشر : 23 فبراير, 2025
التصنيفات الموضوعية: 06 الطلاق
فتاوى ذات صلة:
