مشكور على النصيحة شيخنا الفاضل. ودعني أضيف بعض المعلومات هنا:
أولادي بعمر الثانية والسابعة، ولن أخبرهم شيئًا، ولكن كلام زوجي أنهم فقط إن أحسوا بأي شيء، وهم من سألوني، كأي سؤال، مثلًا: لماذا يا ماما لا تتحدثين مع بابا؟ أو أي شي يدل على ذلك، عندها سيخرج زوجي تمامًا من بيتنا وأحسب نفسي مطلقة.
هل زواجي الآن معلق على كلمة من أطفالي إن قالوا أيَّ شيء عني وزوجي وهم لا يقصدون؟ فهم جاهلون بعقبات كلامهم وهم أطفال غير راشدين؟
هل إن لم أفعل شيئًا يوضح مني الانفصال لأبنائي، وهم أحسوا بذلك من معرفتهم فقط بعلاقتي مع أبيهم، كألا يجدونا مع بعضنا، وسألوا، يقع الطلاق أيضًا؟
هل لنية الزوج دَخْل بالموضوع؟ هل يختلف الحكم عندها؟ وهل يقع الطلاق إن كان لا يقصد الزوج الطلاق وإنما التهديد للتخوف من معرفة الأبناء؟
أنا حائض حاليًّا، هل يؤثر هذا؟
هل يمكن حل هذا الطلاق المعلق بإطعام عشَرة مساكين ويُحسَب كاليمين، أي أنه لم يكن بنية الطلاق، وإنما بنية التهديد؟
رسالة ثانية:
أنا سألت زوجي- يا شيخ- الآن وقال: إنه لم يكن لديه نية الطلاق أبدًا، ولم يَعْنِه إطلاقًا، وإنما قال: إنه لأنني لم أستوعب كلامه، أراد أن يوضحه بألا أفعل أي شيء يوضح للأولاد ولا يعرف أصلًا بوجود طلاق معلق، وعندما عرفنا أراد إلغاءه تمامًا؛ لأنه قال: إنه لم يكن أصلًا ليطلقني حتى وإن أحس أبنائي بأي شيء، عندها قد يخرج من البيت، كما أنه لم يكن ليطلق.
وعرفت أنه إذا قصد به الحلف كالقسم والتهديد بغير النية لا يقع، وإنما وجب كفارة اليمين على الزوج، ولا أُطلَّق عندها.
أنا حائرة، وهذه الطلقة الأخيرة إن وقعت. أرجوك أفتنا يا شيخ، أرجوك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فكان عليك يا أمة الله أن تُراجعي زوجك في أمر هذه الواقعة، وأن تأتمري بينك وبينه بمعروف، وأن تتعرفي على مراده منه بدلًا من المسارعة إلى الاستفتاء بمعلومات غير كاملةٍ، على كلِّ حالٍ لقد صَدَق توقُّعي بأن مقصودَ الزوج هو مَنْعك من الحديث مع الأطفال، أو إخبارهم بأي شيء مراعاة لمشاعرهم، ثم وضحت نيته من خلال توضيحه لك- والله حسيبه على ما يقول- أنه قصد بقوله: اعتبري نفسك مطلقة. أي إذا أشعرت الأطفال بشيء فسوف يهجر البيت، ويتركك تعيشين فيه كالمطلقة، أي من حيث الانفصال الجسدي، والهجر في المضجع، وترك البيت ونحوه، وأنه لم يكن يقصد ولا يريد أن يوقع الطلقة الثالثة التي يعلم أنها النهاية في علاقتكما الزوجية لأنها الثالثة، وهي التي لا تحل بعدها المرأة لمطلقها حتى تنكح زوجًا غيره(1).
فإذا صح أن هذا قصده، وأن قصده بعبارة: اعتبري نفسك مطلقة. أي سيتعامل معك كالمطلقة وإن لم تكوني مطلقة، لكنه لم يقصد الطلاق ولم يُرِدْه- فلا يلزمه هذا الطلاق، بل لا يلزمه كذلك كفارة يمين، إلا على سبيل الاحتياط.
فأحسني التبعل لزوجك والطاعة له(2)، ولا تخرجيه إلى ما يكره وتكرهين.
وأسأل الله أن يصرف عنكما السوء، وأن يقذف المحبة بينكما والهدى في قلوبكما. والله تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) قال تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُون﴾ [البقرة: 230].
(2) فقد أخرج البيهقي في «شعب الإيمان» (6/421) حديث (8743)، وابن عبد البر في «الاستيعاب» (4/1787 – 1788) حديث (3233) من حديث أسماء بنت يزيد ل: أنها أتت النبي ﷺ وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأمي، إني وافدة النساء إليك، وأعلم نفسي لك الفداء أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فُضلتم علينا بالجُمع والجماعات، وعيادة المرضى وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا أخرج حاجًّا أو معتمرًا ومرابطًا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت النبي ﷺ إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: «هَلْ سَمِعْتُمْ مَقَالَةَ امْرَأَةٍ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مَسْأَلتِهَا فِي أَمْرِ دِينِهَا مِنْ هَذِهِ؟» فقالوا: يا رسول الله، ما ظنننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي ﷺ إليها ثم قال لها: «انَصْرِفِي أَيَّتُهَا الْـمَرْأَةُ وَأَعْلِمِي مَنْ خَلْفَكِ مِنَ النِّسَاءِ أَنْ حُسْنَ تَبَعُّلِ إِحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا وَطَلَبَهَا مَرْضَاتَهُ وَاتِّبَاعَهَا مُوَافَقَتَهُ تَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ». فأدبرت المرأةُ وهي تهلل وتكبر استبشارًا.