أنا متزوج منذ خمس سنوات، والعصمة بيد الزوجة، كنا في بلد عربي ووقع خلاف فاستعصى حلُّه، وإذا بها تستخدم حق العصمة، وكانت حائضًا وقتها. وبعد فترة شهر ونَيِّف اتصلَتْ رغبةً منها في أن تسمع كلمة الطلاق مني حتى تغادر وهي مطمئنة، رفضتُ بادئَ بدءٍ وتحت إلحاحها تلفظتُ بالطلاق, فما كان من الزوجة بعد حين إلا ندمت واجتهدت في الرجوع ولدى البحث عن الفتوى رجح المفتي وقوع طلاقي ولم يرجِّح طلاقَها بحكم كونها حائضًا. ما حدث بعد ذلك أنه بعد سنة ونصف وبعد مشادة كلامية حادة خرجَتْ عن طورِها وقامت بتمزيق بعض من وثائقي الهامة وبحكم كوني في بلد غير بلدي وما ينتظرني من مساءلة قانونية وأمنية في بلدي أصبت بالذهول وانتابتني حالة من الهستريا، فلم أعد أعي ما أقول، فتلفظت بالطلاق مرارًا وتكرارًا، ثم دخلت الحمام، وأخذت «دشًّا» لعلي أهدأ، وفعلًا هدأت انفعالاتي وعندما خرجتُ أكدت الطلاق لفظًا، وبعد حين تملَّكني الندم، فزرنا دار الافتاء فأفادونا أن الطلاق وقع ليس في فترة الغضب إنما بعد الدش الذي برد غضبي ونصحوني بأن أكون محترسًا محتاطًا؛ لأنه لا مجال لأي خطأ آخر. تمضي الأيام قدمًا، وبما أن آفة هذه الزوجة الشك اللامنطقي والغيرة المفرطة، فما كان منها إلا أن شكت بأنني متزوج من أخرى، ووصل بها الشك إلى درجة اليقين أنني كذلك، رغم عدم توافر الأدلة لديها، ورغم نصائح الناس لها بعدم معقولية وصواب الفكرة، فتفضلت مشكورة واستعملت حقَّها في العصمة تارة أخرى لتصرح بتطليق نفسِها جهارًا نهارًا ما لايقل عن خمس مرات شفاهة، وفي مواضع متفرقة وعلى فترات متباعدة على مرحلة شهرين، وكذلك فعلت ذلك مرتين عبر رسائل الجوال ليصل مجموع ما صرحت إلى سبعة, وكل ذلك تحت تأثير عدم قبولها بفكرة التعايش مع امرأة أخرى تشاركها إياي، وتحت تأثير الغيرة المفرطة. ندمت هذه المرأة وتحاول وتتوسل العودة، وبما أنني صرت في شك من موضوع حرمتها علي، وحتى أقطع الشك باليقين ألقيت عليها اليمين، وهي تصر على بطلان طلاقها لسبيبن:
1- كانت تحت تأثير الشك والغيرة اللذين أفقداها القدرة على المحاكمة مع أنني كنت أجدها مصممة على قرارها رغم التحذيرات، وتناقش وتبرر هذا القرار بعدم قدرتها على تقبل وجود امرأة أخرى، رغم عدم وجودها.
2-احتجاجها بأنها كانت حائضًا يوم ألقيت يميني درءًا للشبهة، أفيدونا أفادكم الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلعلنا نبدأ من المرحلة الأخيرة، أي من الطلقة الثالثة التي أوقعتها عليها، لتؤكد بتَّ طلاقها، والتي تقول زوجتك: إنها كانت حائضًا وقت وقوعها، فإن صحَّ ما قالت، والعُهدة عليها- ويَلزَمُك التحقُّق من ذلك- فإن هذه الطلقة ردٌّ؛ لأنها طلقة بدعية، وقد سبق أن ألغى لك المفتى السابق تطليقها نفسَها لنفس السبب، وهي كونها حائضًا، أما ما فعلته هي بنفسها فالأصلُ وقوعُه- إن كان توكيلُك لها في تطليق نفسها لا يزال ساريًا- لاسيما مع تكراره عدة مرات لفظًا وكتابة، ورغم حدوث مناقشات شتى حوله، والغضب قد يتملك الإنسان في لحظة من اللحظات، أما أن يستمر تأثيره عليه هذه المدة التي يتعاقب فيها الليل والنهار، وتدور فيها مناقشات تِلو مناقشات لإقناعها بعدم موضوعية موقفها، فمُستبعدٌ، فالذي يظهر لنا والله تعالى أعلى وأعلم. أن الطلاق قد أصبح بائنًا بينونة كبرى، وأن المرأة قد استنفدت مرات طلاقها، فلا تحل لك حتى تنكح زوجًا غيرك، وقد قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء: 130] وإن كان من درس مستفاد فننصحك بألا تُفرِّط في العصمة بعد اليوم، فقد جعل الله عُقدة النكاح بيد الرجل لحِكمة يعلمُها! ولله الحُجَّة البالغة والحكمة البالغة، ونسأل الله جلَّ وعلا أن يجبر كسْرَك وكسرَها، وأن يعوضكما خيرًا، والله تعالى أعلى وأعلم.