فضيلة الشيخ، أنا وزوجي كنا في مشاجرة شديدة لأمر أخطأ فيه وأنا أواجهه بأخطائه، وحاول مرارًا أن يسكتني وأنا لم أسكت، فقال لي: «عليَّ الطلاق منك بالثلاثة». وباقي النص لا نتذكره مثلما قيل، لكن فيما معناه ألا أتكلم معه في هذا الموضوع، هو عمَّمَ اللفظ، لكن كان يقصد شيئًا بعينه وهو ألا أعاتبه أو أواجهه بمزيد من الأخطاء، وأنا تكلمت في أشياء تشككت أنها متعلقة باليمين بعدها، ولكنه قال لي بالحرف الواحد: «أنا لم أطلقك، أنا عارف، أنا حلفت على إيه كويس جدًّا، وأنت موقعتيش اليمين».
وإن كنا متشككين من لفظ اليمين إلا أنه أقسم بالله أنه لم يكن لديه مطلقًا نية الطلاق، وإنما هدَّدني به؛ ليمنعني من الكلام فقط، فهل هو المسئول أمام الله ويحاسب على نيته؟ وهل من الممكن أن نمشي بفتوى أن الطلاق المعلق على شرط إذا كانت نيته التهديد والمنع لا يقع الطلاق؟
وإن وقع الشرط أنا أريد فتوى بذلك؛ لأني أعاني من وسواس قهري لدرجة أنني أتذكر أشياء قلتها، ولكن من شدة وسواسي لا أتيقن إن كانت قبل اليمين أم لا.
وهل إذا تعاملت وكأن لم يوسوس لي يسامحني ربي ويرفع عني الحرج لوسواسي أم ماذا؟
وهل أتبع القاعدة الفقهية التي تقول: إن اليقين لا يزول بالشك ويحاسب فقط على ما حلف عليه وهو التهديد وما يقصده فقط بحلفه بما أن نص اليمين لا يتذكره لأنه رد فعل سريع لإسكاتي، إنما المتأكد منه النية وهل زواجنا قائم؟ وعذرًا للإطالة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن قول زوجك: إن اليمين المعلق لا يحتسب يمينًا إذا كان المقصود به هو الحض أو المنع وليس الطلاق – قولٌ قال به بعض أهل العلم، ولكن جماهير أهل العلم قديمًا وحديثًا على خلافه، فمرَدُّ الأمر إليه في ذلك، وهو مسئول عن موقفه في باب الديانة، فإن تقلَّد ذلك دينًا متابعًا فيه بعض من أفتى بذلك من العلماء فإنه يسعك إقراره على ذلك وتفويض الأمر إلى ديانته.
وأما الوسواس الذي لديك فإنه لا يعالج بمثل تجاهله واطراحه وعدم الالتفات إليه أو التعويل عليه.
واعلمي أن العصمة الزوجية الثابتة بيقين لا تزول بمثل هذه الوساوس بارك الله فيك، ولكن ننصحك بحُسن التبعُّل لزوجك(1)، وحسن الطاعة لله، حتى لا تحمليه على الدخول في مضايق أيمان الطلاق.
وأيمان الطلاق أيمان الفجار، لا يجترئ عليها إلا من لا خلاق لهم، فلا تستفزي زوجك ولا تدفعيه إلى الدخول في هذه المضايق، لاسيما وقد أظلنا شهرُ رمضان، شهر التغافر والتسامح والتوبة إلى الله عز وجل.
رزقك الله صومًا مقبولًا وسعيًا صالحًا مشكورًا. والله تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) فقد أخرج البيهقي في «شعب الإيمان» (6/ 421) حديث (8743)، وابن عبد البر في «الاستيعاب» (4/ 1787 – 1788) حديث (3233) من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأمي، إني وافدة النساء إليك، وأعلم نفسي لك الفداء أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فُضلتم علينا بالجُمع والجماعات، وعيادة المرضى وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا أخرج حاجًّا أو معتمرًا ومرابطًا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: «هَلْ سَمِعْتُمْ مَقَالَةَ امْرَأَةٍ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مَسْأَلَتِهَا فِي أَمْرِ دِينِهَا مِنْ هَذِهِ؟». فقالوا: يا رسول الله، ما ظنننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال لها: «انَصْرِفِي أَيَّتُهَا الْـمَرْأَةُ وَأَعْلِمِي مَنْ خَلْفَكِ مِنَ النِّسَاءِ أَنْ حُسْنَ تَبَعُّلِ إِحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا وَطَلَبَهَا مَرْضَاتَهُ وَاتِّبَاعَهَا مُوَافَقَتَهُ تَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ». فأدبرت المرأةُ وهي تهلل وتكبر استبشارًا.