لقد جاءتني امرأة أمريكية مسلمة تشتكي سوء معاملة زوجها وتطلب مخالعته، ولكن زوجها أبى بدعوى أنه يحبها وأنها أم أولاده، فقالت الزوجة: إما أن يخالعني وإما أن أرتد عن الإسلام. فهل تلزم مخالعتها في هذه الحالة؟ وهل يعتبر الإمام هو القاضي الذي ينفذ الحكم بذلك؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
بادئ ذي بدء ننصح للأزواج الذين اقترنوا ببعض المسلمات الجدد أن يحسنوا إليهن، وألا يكونوا سببًا في فتنتهن، فإن هذا من كبائر الإثم وموبقات الذنوب، وحسبهم من الشر أن يكونوا سببًا في فتنة مسلمة عن دينها وردتها عن الإسلام.
كما ننصح للمرأة ألا تكون ممن يعبد الله على حرف إن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة.
وعليها أن تفرق بين الإسلام وبين ممارسات بعض من ينتسبون إليه ويقترفون عن هوى أو جهالة بعض ما حرمه الله عليهم، وأن عليها أن تصون دينها عن الزج به والمساومة عليه في الخصومات والنوازل، فإن المؤمن الحق هو الذي يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار(1)، وأنها إن فعلت ما تهدد به فإن شؤم ذلك ومغبته تختص بها ويقع على عاتقها وحدها مغارمه في الدنيا والآخرة.
كما نذكر هذه الزوجة وسائر النساء عامة أن: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْـجَنَّةِ»(2).
وبعد هذا كله نقول: إنه يتعين على الزوج والحال كذلك أن يجيب زوجته إلى ما سألته من الخلع إن هو لم يوفق في استمالتها وردها عن ذلك، وليس له أن يمسكها ضرارًا، وليس لأحد أن يعينه على ذلك، وإن كان قد عجز عن إمساكها بالمعروف فينبغي ألا يعجز عن تسريحها بإحسان.
وللحياة الزوجية طريقان لا ثالث لهما: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]
وللمراكز الإسلامية- وفي حدود ما تسمح به القوانين السائدة- ولاية التطليق على الزوج المضار، ولكن بعد أن تستوفي جميع الإجراءات المطلوبة للصلح والتوفيق وإعطاء المهلة الكافية لكل طرف لكي يتدبر موقفه بعيدًا عن مشبوب العواطف وتشنجات الأهواء.
ولا ينبغي للقائم على ذلك من الأئمة أن يعجل في ذلك، فإن المحاكم المعاصرة بما تملكه من سلطة وقدرة على الإلزام تضرب آجالًا مناسبة للمتنازعين، وقد تغالي في تقديرها عمدًا على أمل أن يثوب كل منهما إلى رشده، فمن الزلل وانعدام التوفيق أن يبادر إمام المركز بإعطاء الخلع لكل من سألته دون أن يمهل أطراف الخصومة مددًا يغلب على الظن معها أنه قد أبرأ ذمته، وأن مسيرة الحياة بينهما قد توقفت بصورة نهائية، وأن ما وقع بينهما من فساد ذات البين لا أمل في إصلاحه. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الإيمان» باب «حلاوة الإيمان» حديث (16)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان خصالٍ من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان» حديث (43) من حديث أنس بن مالك ، عن النبي ﷺ قال: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْـمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ».
(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/277) حديث (22433)، وأبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في الخلع» حديث (2226)، والترمذي في كتاب «الطلاق» باب «ما جاء في المختلعات» حديث (1187)، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «كراهية الخلع للمرأة» حديث (2055)، من حديث ثوبان رضي الله عنه وقال الترمذي: «هذا حديث حسن»، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» حديث (2226