أريد أن أعرف حكم الحلف بعلي الطلاق على أمر مضى وهو يعلم كذبَ نفسه؛ للخروج من مأزق، دون نية الطلاق؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فمن حلف بالطلاق كذبًا عليه- كما قلنا مرارًا- عارُ الكذب وإثمُه. ويدل هذا على رقَّةٍ في الدين وسوءٍ في الخُلُق؛ فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن كذابًا؟ قال: «لَا»(1). فكيف إذا أكَّد كذبَه بالحلف الفاجر، وباليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم(2)؟!
عليه أن يبادر إلى التوبة إلى الله عز وجل، وأن يُصلح ما فسد من علاقته بربه، وأن يُخرِج كفارةَ يمين على سبيل الاحتياط. ، وهو اختيار مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، في الحلف بالطلاق، فقد جاء في وثيقة المجمع للاحوال الشخصية حول الحلاف الطلاق ما يلي (لا يقع الحلف بالطلاق عند الحنث فيه إلا إذا قصد به حقيقته، فإذا لم يقصد به إلا الحض أو المنع لزمته كفارة يمين. ) والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________
(1) فقد أخرج مالك في «موطئه» (2/ 990) حديث (1795) من حديث صفوان بن سليم رضي الله عنه أنه قال: قيل لرسول الله: أيكون المؤمن جبانًا؟ فقال: «نَعَمْ». فقيل له: أيكون المؤمن بخيلًا؟ فقال: «نَعَمْ». فقيل له: أيكون المؤمن كذابًا؟ فقال: «لَا». وذكره ابن عبد البر في «التمهيد» (16/ 253) وقال: «مرسل مقطوع … ولا أحفظ هذا الحديث مسندًا بهذا اللفظ من وجه ثابت، وهو حديث حسن، ومعناه أن المؤمن لا يكون كذابًا. يريد أنه لا يغلب عليه الكذب حتى لا يكاد يصدق، هذا ليس من أخلاق المؤمنين».
(2) فقد أخرج البخاري في كتاب «الأيمان والنذور» باب «اليمين الغموس» حديث (6675) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِالله، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ».
وأخرج الحاكم في «مستدركه» (4/ 329) حديث (7809) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نُعد الذَّنْب الذي لا كفارة له: اليمين الغموس. وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه فقد اتفقا على سند قول الصحابي».
وأخرج البيهقي في «الكبرى» (10/35) حديث (19655) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ شَيْءٌ أُطِيعَ اللهُ فِيهِ أَعْجَلَ ثَوَابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَعْجَلَ عِقَابًا مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَالْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ».
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (2/19) حديث (1092) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا بلفظ: «إن أعجلَ الطاعة ثوابًا صلةُ الرحم، وإن أهلَ البيت ليكونون فُجَّارًا فتَنمُوا أموالُـهم ويكثر عددهم إذا وصلوا أرحامَهم، وإن أعجل المعصية عقوبةً البغيُ والخيانةُ، واليمين الغموس تُذهب المالَ وتقل في الرحم وتذر الديار بلاقع». وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/ 180) وقال: «رواه الطبراني في الأوسط وفيه أبو الدهماء الأصعب وثقه النفيدي وضعفه ابن حبان».
وبلاقع: جمع «بلقع»، وهي الأرض القفراء التي لا شيء فيها.