الحلف بالطلاق، والطلاق البدعي

بعد زواجي بمدة شهر عام 1997م حصلت لي مشكلة مع أهلي حيث كنت ساكنًا معهم في بيت العائلة، وقلت: عليَّ الطلاق لا أنام في البيت في تلك الليلة، قلت هذه الكلمة؛ لأنهم يأخذون بالطلاق في غالب الأحيان بجدية أكثر من اليمين، وذلك بسبب الجهل، وحتى لا يراجعني أحد، وقد كان قصدي بذلك الطلاق اليمين وليس الطلاق ذاته.
أصر أهلي ألا أغادر البيت، فنمت في البيت في تلك الليلة، فسألت خطيب المسجد في قريتنا عن ذلك فقال لي: إنها تعد طلقة.
وفي عام 2006 شهر يناير عاشرت زوجتي في المساء، وفي اليوم التالي قلت لزوجتي: أنت طالق، وكان الطلاق صريحًا.
وفي شهر مارس من نفس العام 2006 اختلفت مع زوجتي وامتدت يدي إليها في الليل، فخرجت من بيتي في الصباح، وأخذت ما تملك من أشياء وذهبت مع ولدي وبنتي إلى بيت ابن أخيها، حاولت مراجعتها والاعتذار إليها وإلى إخوتها عما بدر مني، وعرضت عليهم قبولي بما يفرض عليَّ، إلا أنهم رفضوا وأصروا على أن أطلقها. فحاولت إرجاعها لمدة استمرت 12 يومًا. وفي يوم 27 مارس وقبل صلاة المغرب كنت أتكلم مع أخي زوجتي الأكبر على أن يأتي من نيويورك إلى كاليفورنيا على حسابي الخاص لحل المشكلة والإصلاح بيني وبين زوجتي، ولكنه أغلظ لي الكلام، وقال: إن زوجتي لا تريدني ولا إخوتها كذلك، وطلب مني تطليقها فقلت له: ما دام هذا طلبكم فهي طالق، ودخلت المسجد لصلاة المغرب، وكلمت الإمام بأني قد طلقت زوجتي وأوضحت له أن تلك الطلقة هي الثالثة، فكتب إمام المسجد ورقة محتواها أني قد طلقت زوجتي ثلاثًا.
وبعد مرور 14 شهرًا قررت الاستفسار عما إذا كانت هناك فرصة لإرجاعها، فأفتاني بعض المشايخ جزاهم الله خيرًا بأن الأُولى يمين، والثانية والثالثة طلاق، وأن بإمكاني إرجاع زوجتي بعقد جديد ومهر جديد، طلب إخوان زوجتي فتوى مكتوبة من الشيخ صلاح الصاوي حفظه الله بخصوص الطلقات الثلاث وحكم الورقة التي تقول بأنها طلقت ثلاثًا.
أستحلفكم بالله إفادتي سريعًا وجزاكم الله خيرًا.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أما ما ذكرت من قولك: عليَّ الطلاق لا أنام في البيت في تلك الليلة، ثم نمت بعد ذلك. فهذه صيغة الحلف بالطلاق، فإن الحلف هو ما يقصد به الحض أو المنع أو التصديق أو التكذيب، وقد اختلف أهل العلم هل يقع بهذه الصيغة الطلاق عند الحنث أم لا؟
والذي عليه جماهير أهل العلم هو وقوع الطلاق عند الحنث؛ لأنه التزم أمرًا عند وجود شرط، فيلزمه ما التزمه.
وخالف في هذا جمع من أهل العلم، فاعتبروا هذا القول في حكم اليمين، فإن اليمين: هي ما تضمنت حضًّا أو منعًا أو تصديقًا أو تكذيبًا بالتزام ما يكره الحالف وقوعه عند المخالفة، وإذا اعتبرت في حكم اليمين، فإنه تلزمه الكفارة عند الحنث، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، ولا يلزمه الطلاق.
ومن أدلتهم على ذلك ما يلي:
1- أن ما يقصد به الحض أو المنع أو التصديق أو التكذيب- بالتزامه عند المخالفة ما يكره وقوعه- يمين عند جميع الخلق من العرب وغيرهم؛ وهذا أيضًا يمين الصحابة رضوان الله عليهم، وهو يمين في العُرف العام ويمين عند الفقهاء كلهم، وإذا كانت هذه الصيغة يمينًا، فإنه يجري فيها ما يجري في سائر الأيمان من الكفارة عند الحنث لدخولها في قوله تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم: 2]، وفي قولِ النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ عَلَى الْيَمِينِ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْهَا وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ».
2- القياس على الحلف بالعتق، ذلك أنه ثبت عن عدد من الصحابة أنهم أفتوا في الحلف بالعتق أنه لا يلزم الحالف به، ويجزيه كفارة يمين، وإذا كان العتق الذي هو أحب الأشياء إلى الله، ويسري في ملك الغير، وله من القوة وسرعة النفوذ ما ليس لغيره، قد منع قصد اليمين من وقوعه، كما أفتى به الصحابة، فالطلاق أولى وأحرى بعدم الوقوع.
والذي يظهر أن هذا القول أقوم في النظر وأحفظ للأسر وأرجى تحقيقًا لمقصود الشارع، وهو الذي قال به كثير من أئمة أهل العلم من المعاصرين، وعلى هذا فإن هذه الطلقة لا تحسب في أرجح أقوال أهل العلم، ولكن يلزمك إثم الحلف بغير الله وتلزمك كفارة يمين، وهي كما سبق إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
أما الطلقة الثانية فهي طلقة بدعية لوقوعها في طهر مسستها فيه ووقوع الطلاق البدعي موضع خلاف بين أهل العلم: فجمهورهم على وقوعه وإن كان صاحبه آثمًا لمخالفته لهديه صلى الله عليه وسلم في الطلاق، وخالف في ذلك بعض أهل العلم فقالوا بعدم وقوعه؛ لأنه أمر محدث على خلاف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو رد، ولما ورد في بعض روايات حديث ابن عمر أنه ردَّها عليه، ولم يعتبرها شيئًا، وهذا هو الذي عليه أكابر أهل العلم من مقدَّمي الدعوة السلفية وفقهائها في واقعنا المعاصر، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله.
و نحن نميل إلى القول بعدم وقوعه تيسيرًا على الأمة وتوسعة عليها واستنقاذًا لأسرها من التمزق، وعلى هذا فالذي يظهر أنه لم تقع عليك إلا الطلقة الثالثة، ويمكنك مراجعة زوجتك، واتق الله ولا تعد إلى ذلك، ونسأل الله لنا ولك السلامة والعافية. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   06 الطلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend