أنا شاب عمري خمس وعشرون سنة، طالت معاناتي مع الوسواس القهري، ابتليت به مند أكثر من خمس سنوات.
أنا مُتزوِّج، وإنني أحس بأنني مجنون، ستقولون لي: لماذا؟ لأنني إنسان سيئ لا أستطيع إيقاف حديث النفس الذي يأتيني رغمًا عني في أمر هو أبغض الحلال، لماذا تأتيني الألفاظ والرغبة في التلفظ لأي سبب في الصَّلاة والذكر والوضوء والأكل والكلام مع زوجتي.
مع غيري أنا موسوس كثير الغضب والعصبية لأي سبب، زوجتي المسكينة أعانها الله على موسوس مبتلى يغضب لأي سبب، ولكن المشكلة أنني دائمًا وما زلت إلى الآن أشك هل تلفظت أم لا؟!
يا شىخ، واللهُ شاهد على ما أقول أسمع هلوسة وكأنني أتلفَّظ فعلًا ولا أدري هل يقع قولي، مع العلم أني موسوس من الدرجة الأولى، حتى لقد وصل بي الإحباط في فكرة اعتناق المذهب الشيعي من دون معتقداته الفاسدة، بل فقط للأخذ بفتوى الإشهاد على أبغض الحلال، وإن كنت أنا العامي المتواضع أرى أن هذه الفتوى أسلم وأحفظ للبيوت الإسلاميَّة، فكيف يشدد الله تعالى في عقد النِّكاح ويشترط فيه شروطًا متينة ويكون أبغض الحلال بدون شروط.
أنا مريض وأخاف أن يلعب بي الشَّيطان، أنقدوني، فهذا الوسواس يقودني للجنون، أنا سني وأفتخر، وأتعبني الوسواس، أرجو الدُّعاء لي بالشفاء والذرية الصالحة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فاعلم يا بني أن اللهَ جل وعلا أرحم بعباده من آبائهم ومن أمهاتهم، ولم يجعل عليهم في الدين من حرج(1)، ولم يفصل شرائعه ليشقيهم بها، بل ليسعدهم به في الحياة الدُّنيا، وليدخر له به نعيم الخلد وفوز الأبد في الآخرة.
يا بني إن اللهَ جل وعلا تجاوز لهذه الأمة عما حدَّثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به، كما تجاوز لها عن الخطأ والنسيان، فهو القائل: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286] وقد ثبت أن اللهَ جل وعلا قال: «قَدْ فَعَلْتُ»، وقد ثبت قول النبي ﷺ: ««إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»».
ومن القواعد الفقهية أنه إذا ضاق الأمر اتسع، وأن المشقة تجلب التَّيسير، ولست محتاجًا إلى الانتقال إلى المذهب الشيعي لتقليد القول باشتراط الإشهاد لاعتبار الطَّلاق، فقد قال بهذا بعض أهل السنة ومن بينهم من المعاصرين الشيخ الألباني :، فأخرج نفسك يا بني من هذا المضيق، وتفيَّأ ظلال رحمة ربك، فرحمته قد وسعت كل شيء(2)، واطرح عنك هذه الوساوس ولا تلتفت إليها واشغل نفسك بعمل أصلح، وتخيَّر لنفسك رفقة صالحة تُعينك إذا تذكرت وتذكرك إذا نسيت.
ونسألُ اللهَ لنا ولك العافية، ونسأله أن يمسحَ عليك بيمينه الشَّافية، وأن يجمعَ لك بين الأجر والعافية. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) قال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج: 78].
(2) قال تعالى ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 156].