إلى حضرة سماحة المفتي الأكرم: أرجو التكرم من حضرتكم بالإجابة على سؤالي والمتعلق (بأحقية حضانة الطفلة بعد الطلاق)، حيث إن لدي طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات، وهي تعيش مع طليقتي في الولايات المتحدة، في نفس المدينة التي أسكن بها، وأنا الآن غير متزوج وكذلك طليقتي. أريد أن أعرف لمن حضانة الطفلة في حالة زواج طليقتي؟ هل تذهب الحضانة إلى جدتها من الأم ثم جدتها من الأب ثم خالتها الغير متزوجة ومن ثمَّ لي، أم يحق لأم ابنتي الاحتفاظ بحضانة الطفلة فور زواجها من آخر؟ ما هو رأي الشرع في هذه القضية؟ لاسيما أن طليقتي سألت عالم دين في الولايات المتحدة، وكانت إجابته غير محسومة. وهي تفسر حديث الرسول ﷺ: «هُوَ لَكِي مَا لَمْ تَنْكِحِي» أن ذلك يطبق لمصلحة الزوج الجديد، فإذا كان زوجها الجديد موافقًا على بقاء ابنتي معها فتبقى البنت معها. هل يجوز لي شرعًا- ولحفظ حقي بابنتي- المطالبة بنصف الحضانة؟ حيث إني قد لجأت للمحكمة لأخذ الحضانة كاملة، علمًا بأنه في حالة إذا أخذت الحضانة كاملة سيكون موقفي ضعيفًا إذا أردت في المستقبل أن أطالب بابنتي إذا تزوجت أمها. القانون في الولاية التي نعيش فيها كاثوليكي؛ لذلك فرصي في كسب نصف الحضانة ضئيل، خاصة أن طليقتي تحمل الجنسية الأمريكية، وتعيش مع أمها وأختها. في المقابل طليقتي عرضت عليَّ تسوية تنص على أنها تأخذ الحضانة كاملة، وأن أسمح لابنتي في الرحيل معها إلى ولاية أخرى في مقابل أن تأخر مطالبتها بنفقة البنت لمدة سنة حتى أتخرج في الجامعة، علمًا بأنها عندما طلبت الخلع في الأردن وقبل تطليقها قال لي والدها: إنني غير ملزم بنفقة البنت لحين تخرجي من الدكتوراه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإذا وقعت الفرقة بين الزوجين فالأم أحقُّ بالولد، لما ورد من أن امرأة أتت النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاءً وحجري له حواءً، وثديي له سقاءً، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال لها رسول الله ﷺ: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي». ولأن الأم أشفق وأقدر على الحضانة، فكان الدفع إليها أليق بمقصود الشارع من الحضانة، ولكنها إذا تزوجت بأجنبي عن المحضون سقطت حضانتها بلا نزاع نعرفه، ولهذا فإذا حصلت الفرقة فعلى المرأة أن تختار بين أولادها، أو زوج آخر، وتستلهم الله الرشد في ذلك، وتسأله أن يحملها في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة، أما القول ببقاء الحضانة للأم في جميع الأحوال ولو تزوجت فهذا الذي لا نعرفه في دين الله عز و جل .
ومما هو جدير بالذكر في هذا المقام أن الحضانة مقررة لمصلحة المحضون قبل كل شيء، فإذا كان لو ذهب مع أحدهما أو بقي مع الآخر عليه ضرر في دينه أو دنياه- فإنه لا يُقرُّ في يد من لا يصونه ولا يُصلحه؛ لأن الغرض الأساسي من الحضانة هو حماية الطفل عمَّا يضره، والقيام بمصالحه، فمن كان أقوم بذلك ممن يستحقونها كان أولى به من غيره.
هذه هي القواعد التي نعلمها من الشريعة، فإذا كان لا سبيل إلى تحقيقها نظر للإقامة خارج ديار الإسلام وعدم التزام المحاكم بمرجعية الشريعة في هذه البلاد بطبيعة الحال، فإنه تستلهم هذه القواعد عند المطالبة أمام القضاء، ويطالب الشخص بأقرب الأوضاع إلى الشريعة وأرجاها تحقيقًا لمصلحة المحضون وأرجاها تحقيقًا أمام هذه القوانين. ونسأل الله التوفيق للجميع. والله تعالى أعلى وأعلم.