نظرًا لما يحدث في مصر فهل ممكن أكتب وصيةً معلَّقة تنفذ في حالة الاختفاء وعدم الاستدلال عن مكاني بمدة محددة؟
في حالة الجواز هل يجوز أن أضعَ فيها الآتي:
– تقسيم ما أملك على الوجه الشرعي.
– أن تُطَلِق زوجتي نفسَها بعد أخذ نصيبها من الميراث إن أرادت.
وفقنا الله إلى ما يحب ويرضى، و نسأله حسنَ الخاتمة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فحفظك الله يا بنيَّ من كلِّ سوء ودفع عنك كلَّ مكروه وأطال عمرك في طاعته.
للمفقود يا بنيَّ أحكامٌ بيَّنتها الشريعة، وقد أشارت إليها وثيقةُ مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وهذه هي المواد التي جاءت في الوثيقة متعلِّقة بهذه القضية، وهي التي تجدها بين قوسين:
((التطليق للغياب والفقدان:
• للزوجة طلبُ التطليق بسبب غياب زوجها، المعروف موطنه، أو محل إقامته، ولو كان له مال يُمكن استيفاء النفقة منه، ولا يحكم لها بذلك إلا بعد إنذاره: إما بالإقامة مع زوجته، أو نقلها إليه، أو طلاقها، على أن يمهل لأجلٍ لا يقل عن أربعة أشهر، ولا يتجاوز سنةً.
• إذا جُهل موطن الزوج أو محلُّ إقامته وتضررت المرأة بذلك، رفعت أمرها إلى القضاء الشرعي للنظر في التفريق بينها بين زوجها للضرر، بعد استفراغ الوسع في الوصول إليه ومطالبته بالرجوع إلى زوجته أو نقلها إليه.
زوجة السجين:
• لزوجة المحكوم عليه نهائيًا بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات إن تضررت بذلك طلبُ التطليق، ولا يحكم لها بذلك إلا إذا مضى على حبسه مدة لا تقلُّ عن ستة أشهر)).
متى يحكم بموت المفقود؟
• لقد اختلف أهل العلم في الإجابة على هذا السؤال اختلافًا عريضًا، والأظهر أن مردَّ الأمر في ذلك إلى اجتهاد القضاء. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «ما ورد عن الصحابة قضايا أعيان، وقضايا الأعيان ليست توقيفيةً، لأنَّ قضايا الأعيان يعني أننا ننظر إلى كل مسألة بعينها، وإذا كان قضايا أعيان فهو اجتهادٌ، فالقول الراجح في هذه المسألة أنه يرجع فيه إلى اجتهاد الإمام، أو من يُنيبه الإمام في القضاء، والناس يختلفون، من الناس مَنْ إذا مضى سنةٌ واحدةٌ عرفنا أنه ميِّت؛ لأنه رجل شهير في أي مكان ينزل يُعرف، فإذا فُقِدَ يكفي أن نطلبه في سنةٍ، ومن الناس من هو من العامة يدخل مع الناس، ولا يُعلم عنه إن اختفَى لم يُفقد، وإن بانَ لم يُؤبه به، هل نقول: إننا ننتظر في هذا الرجل كما انتظرنا في الأول؟ لا، لأن هذا يحتاج إلى أن نتحرَّى فيه أكثر، لأنه إنسان مغمورٌ ليس له قيمة في المجتمع، فننتظر أكثر، ثم إذا غلب على الظن أنه ميت حكمنا بموته».
ولكن يجوز تفويض الزوجة في تطليق نفسِها متى شاءت، ويُمكنها استخدام هذا الحقِّ عند الاقتضاء، وإذا اختارت التطليقَ فليس لها نصيبٌ في الميراث، لأن الميراث يكون للزوجة التي مات عنها زوجُها وهي في عصمته، ولكن يكون لها الحقُّ في مؤخر صداقها، ونفقة عدتها، وما تُوصِي لها به من متعة.
فينبغي التفريق بين العصمة والتوريث، فالعصمة يُمكن تفويض المرأة في أمرها تُطلِّق نفسها متى شاءت، ولكن الميراث لا يكون إلا بعدَ الحكم بالوفاة من قِبَل القضاء، والقضاء هنا قد لا يُطبِّق هذا الذي رجحناه، فإن القضيةَ- كما سبق- موضعُ خلاف عريض بين أهل العلم، بل سيحكم القاضي بمذهبه المعمول به رسميًّا في محاكم بلده.
ودمت يا بني لأُمَّتِك، وأطال الله عُمرَك في طاعته. والله تعالى أعلى وأعلم.