مات وترك أمًّا وزوجة وابنين وبنتين

رجلٌ توفي عن أم وزوجة وابنين وبنتين، وترك نقودًا في البيت، فأخذت الزوجة النقود، باعتبارها ولية القُصر والمسئولة عنهم، وخلطت أموالها الخاصة من ذهب ونقود مع أموال المتوفي وأنفقتها، ولا تذكر تفاصيل جهات الإنفاق. أمُّ المتوفي تخارجت من التركة من فترة ولا إشكال معها الآن.
الإشكال فيما يلي:
اشترت الزوجة محلًّا تجاريًّا من الأموال المختلطة بعد وفاة زوجها (منذ 25 عامًا)، وسُجل باسمها قانونًا، وتم تأجيره والإنفاق من عائده على القُصر إلى أن استقل كلٌّ منهم بحياته وأسرته.
الزوجة الآن كبيرة في السن ولا عائل لها وتعيش على ما يأتيها من عوائد هذا المحل وغيره، أحدُ الابنين يطالب الأم بإعطائه جزءًا من إيجار المحل شهريًّا، وكذلك يطالبها بنصيبه في الإيجار عن الفترة الماضية، وحجته أنه شريك في المحل شرعًا، وله من عوائده نصيبٌ. فما الجواب، بارك الله فيكم؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يخفى أن للولد نصيبًا شرعيًّا في التركة، بل جعل الشارع نصيبه أكبر من نصيب أمِّه في الجملة، لكون أمه ممن يستدبر الحياة وهو ممن يستقبلها.
ولكن لا ينبغي أن تقوم العلاقة بين ذوي القربى والرحم على المماكسة والمشاحة، لاسيما إذا كان الحديث عن علاقة ولد بأمه.
لقد كانت الأموال على الشيوع، وأنفقت منها الأم على نفسها وعلى أولادها على الشيوع، ويشق الآن إفراز الحقوق الماضية على وجه الدقة، فيبقي تسوية المسألة في ذلك صلحًا.
ونذكر الولد بأن أمه أعظم الناس حقًّا عليه كما صح ذلك عن صاحب الرسالة صلوات ربي وسلامه عليه.
ولعل من المفيد أن نستأنس بما روي من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما، لم تكن لهما بينة إلا دعواهما، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْـحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما: حقي لك. فقال لهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَمَّا إِذْ فَعَلْتُمَا مَا فَعَلْتُمَا فَاقْتَسِمَا وَتَوَخَّيَا الْـحَقَّ ثُمَّ اسْتَهَمَا ثُمَّ تَحَالَّا»(1).
أما الوضع الراهن فللولد الحق في نصيب من الإيجار بمقدار نصيبه من التركة، للزوجة الثمن، وللأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين، ويبقى عليه بعد ذلك- متضامنًا مع بقية إخوته وأخواته- واجبُ توفير الكفاية لأمِّه إذا لم يكفها نصيبُها من الإيجار، من كان منهم قادرًا على ذلك؛
فقد جاء في وثيقة مجمع فقهاء الشريعة للأحوال الشخصية ما يلي:
((يجب على الأولاد الموسرين أو القادرين على الكسب، ذكورًا أو إناثًا، كبارًا أو صغارًا نفقة الأبوين كليًّا أو جزئيًّا حسب حاجتهما إلى ذلك، وتوَزَّع بينهم بحسب يسار كل منهم، وإذا تطوع أحدُهم بالنفقة فليس له أن يرجع بذلك على بقية إخوانه وأخواته إلا باتفاق مسبق بينهم على ذلك، أو لحكم قضائي سابق يحدد أنصبتهم فيها)).
وينبغي أن يتذكر الولد دائمًا أن أعظم الناس حقًّا على الرجل أمُّه، وأن أحق الناس بحسن صحابته وبره أمه(2). والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب «الأقضية» باب «في قضاء القاضي إذا أخطأ» حديث (3583)، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3583).
(2) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «من أحق الناس بحُسن الصحبة» حديث (5971)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «بر الوالدين وأنهما أحق به» حديث (2548) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحقُّ الناس بحُسن صحابتي؟ قال: «أُمُّكَ». قال: ثم من؟ قال: «أُمُّكَ». قال: ثم من؟ قال: «أُمُّكَ». قال: ثم من؟ قال: «أَبُوكَ».

تاريخ النشر : 20 أكتوبر, 2025
التصنيفات الموضوعية:   03 الوصايا والفرائض

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend