توفي والدي ونحن خمس بنات وولد، ولي أعمام وعمات، وكان جدي على قيد الحياة، فتنازل جدي عن ميراثه في أبي وهو جزء من البيت الذي نعيش فيه، وبعد فترة تغيرت معاملة أعمامي ولا أحد منهم يسأل عنا، وانقطعت العلاقات، وبعد سنة من الوفاة جاءنا خبر أن جدي كتب أرضه كلها لأعمامي وعماتي وحرمنا منها، وذهب أخي ليتحدث مع عمه، فقال له: أنتم لا تستحقون الميراث؛ لأن أباك مات وجدك تنازل عن حقه وهو فيما بعد حقنا. علمًا بأن نصيب جدي بسيط بالنسبة لثمن الأرض التي حرمونا منها، ولم يعملوا بالوصية الواجبة، وقطعوا الرحم بيننا وبينهم، ويقول جدي: إن الله لن يحاسبه؛ حيث إنه غير ظالم بعدم تنفيذ الوصية الواجبة، فهل هذا حرام أم حلال؟ وهل يعاقبهم الله على ظلم البنات الصغار الخمس اليتامى وأخيهم أم لا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن ما ذكرت من قطع الرحم لا يحل، بل هو من المنكرات التي يسخطها الله ورسوله، وقد قال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [محمد: 22، 23]، وقد قال ربُّنا للرحم لمَّا لاذت به وقالت له: هذا مقام العائذ بك من القطيعة: «أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ».
وأما الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة، وعاقبته وخيمة على أصحابه في الدنيا والآخرة، ولكن الوصية الواجبة يا بني ليست بالأمر المتفق عليه عند أهل العلم، بل إن جمهورهم(1) على خلافها، ومخالفتها وعدم الأخذ بها ليس بالظلم البين كما تتوهم، ولكن القوانين تلزم بها على كل حال، ويمكنك إن عجزت عن استيفائها صلحًا أن تستوفيها قضاء، ولكنني أنصح بأن تأتمروا بينكم بمعروف، وأن توسطوا بعض أهل العلم لتسوية هذا الأمر بينكم، وقد كان عمر رضي الله عنه يقول: «ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن»(4). ونسأل الله أن يقذف المحبة بينكم والهدى في قلوبكم. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) «العناية شرح الهداية» من كتب الحنفية (10/411-415): «( الوصية غير واجبة وهي مستحبة ) فقوله غير واجبة رد لقول من يقول : إن الوصية للوالدين والأقربين إذا كانوا ممن لا يرثون فرض ، ولقول من يقول : الوصية واجبة على كل أحد ممن له ثروة ويسار».