نحن أسرة مكونة من الأب والأم وولدين وثلاث بنات، في أثناء حياة الأب سنة 1991م تم تحرير عقد شركة بين الأب والولدين بنسبة 50% للأب و50% للآخرين موزعين بالتساوي على الولدين 25% لكل ولد من الولدين الذكور، وتم التوقيع من الجميع وتم التسجيل للشركة.
وقد قام الأب بإيداع مبلغ بالبنك لكل بنت باسمها في مقابل نسبة 25% لكل ولد بالشركة، وكان للشركة مركز رئيسي يمتلكه الولدان ومخزنان مؤجران للشركة من الغير، وكانت بنود عقد الشركة تنص على التالي:
– اتفق جميع الأطراف على أنه في حالة وفاة أحد الشركاء يئول مركز الشركة ومخازنها إلى باقي الشركاء ولا يحق لورثته إغلاق الشركة أو التدخل في إدارتها وتستمر الشركة بين باقي الشركاء فقط، ويعتبر الشريك المتوفى خارجًا من الشركة، مع حق ورثته في المطالبة بحصة الشريك في رأسمال الشركة والأرباح إن وجدت.
وفي سنة 1998م توفي الأب، وبعد وفاته مباشرة تم تعديل عقد الشركة بخروج المتوفى ودخول الورثة: الأم وثلاث بنات. وقد قام جميع الورثة بالتوقيع على عقد تعديل الشركة والذي من بنوده بند صريح مضمونه: أن المخزن المؤجر للشركة يئول إلى الولدين مناصفة.
والآن مالك المخزن يريد أن يدفع مبلغًا للشركة لإخلاء المخزن، واختلف الجميع حول كيفية توزيع قيمة هذا المبلغ على ثلاثة آراء كالتالي:
1- الرأي الأول: رأي البنات باعتباره ميراثًا وتقسم قيمته كميراث، وبذلك تحصل كل واحدة منهم على 12. 5% من قيمة المبلغ ويستندن إلى التالي:
– أن الأب قد أخطر إحدى البنات أنه أعطى كل واحدة مبلغًا من المال مقابل أنه أعطى 25% من الشركة لكل من الولدين، وأن هذا في مقابل المركز الرئيس فقط وليس للمخزن.
– أن البنات قد وقعن على عقد الشركة سنة 1998م بعد وفاة الوالد بدون مراجعة لبنوده ثقة منهم في أخيهم الأكبر.
2- الرأي الثاني: رأي الولدين أن يطبق عليه ما ورد في العقد، ويستندون إلى التالي:
– أن الأب هو من قام بعمل عقد الشركة معهما بتاريخ 1991م وبرضاه وهو صاحب القرار في حياته.
– أن العقد شريعة المتعاقدين، وأن أوفوا بالعقود.
– أنه إذا كان هناك اعتراض من البنات فلماذا لم يتم وقت توقيع العقود بعد الوفاة.
3- الرأي الثالث: رأي الأم أن يتم توزيع المبلغ كأرباح للشركة، وهو بناء على رأسمال الشركة، حيث يمتلك البنات كل منهن 5% من حصة رأسمال الشركة.
وأخيرًا اتفق الجميع على تطبيق الشرع وحكم الله؛ لذا أفيدونا أي الآراء مطابق لشرع الله؟ جزاكم اللهُ كلَّ خير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن من الخير في مثل هذه المسائل المتشابكة والمتداخلة أن تحل صلحًا، وكان عمر يقول: ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن(1).
ووجه ذلك أن لكل من رأي الذكور والإناث حظًّا من النظر، فوجود نص صريح بجعل المخزن من حق الولدين يرجح وجهة نظر الذكور، ودفع البنات بعدم قراءة التفاصيل تعويلًا على الثقة في كلام أخيهم الأكبر وادعائهم أن ما دفع لهم في حياة والدهم لم يكن منظورًا فيه إلى المخزن، يجعل لدفعهم حظًّا من النظر. ولا يجوز أن تتقطع الأرحام بسبب لعاعة من الدنيا، فإكرامًا لأبيهم في مرقده، وحفظًا لوشائج الرحم بين ذوي القربى، أرجو أن يأتمر الجميع بينهم بمعروف، وأن يصلوا إلى صيغة توافقية تحل بها هذه المعضلة وتوأد بها هذه الفتنة صلحًا، و«الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْـمُسْلِمِينَ إِلا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» (2).
وأرى أن الصيغة التي تقترحها الأم تصلح منطلقًا لهذا الصلح، ولعلهم يحتكمون إلى أحد من أهل العلم المخالطين لهم عن كثب، وينزلون على رأيه ويقضى الأمر. ونسأل الله لهم التوفيق والسداد. والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________________
(1) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (8/ 303) حديث (15304)، والبيهقي في «الكبرى» (6/ 66) حديث (11142)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (4/ 534) حديث (22896).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب «الأقضية» باب «في الصلح» حديث (3594)، وابن حبان في «صحيحه» (11/ 488) حديث (5091) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3594).