تزوجَتْ فتاةٌ من دون علم والدها، وحدثت مشكلةٌ كبيرة نتج عنها دماءٌ ولكن بلا موت من أهل الطرفين، فقد تشاجر أخو البنت مع آخَرَ من الطرف الآخر، وقام ابنُ عمِّ البنت بإصابة أحد الأشخاص من أهل الزوج، ووفَّق اللهُ أناسًا لترضية الطرفين.
ولنا أسئلة: أولًا هل يجوز مقاطعة البنت بسبب زواجها من دون علم أهلها، وحرمانها من الميراث؟
ثانيًا: تمَّ التصالحُ، وأُلزم أهلُ البنت بدفع تعويضٍ للمصاب من أهل الزوج. فهل يقوم أخو البنت بدفع المبلغ وحده رغم أن ابنَ عمِّه هو الذي قام بالضرب والإصابة، مع العلم أن أخا البنت قابله بالمشكلة ولكنه تجنَّبه؟
ثالثًا: هل يجوز معاقبتُهم عما فعلوه؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فما أقدمَتْ عليه الفتاةُ من الزَّواج دون الرُّجوع إلى وليِّها معصيةٌ لله عز و جل (1)، ولكنها لا تُسوِّغ حرمانَها من الميراث، وإنما تقتضي النصيحةَ واستعادتَها إلى جادَّةِ التَّوبة والاستقامة، واستعادتُها بالتَّوبة أحبُّ إلى الله من حَمْلها على العناد والمراغمة بالهجر والقطيعة، لاسيَّما أن موقفَها هذا يحمل في طيَّاته إشارةً إلى تفريط الوالد في تعهُّدها، الأمر الذي جرَّأها على ارتكاب هذه الفعلة.
وعمومًا في مثل زمننا هذا نظنُّ أن التألُّف والمداراة أقربُ إلى تحقيق مقصود الشارع من الهجر والمجافاة.
والتَّعويض يلزم به مَن باشر الإصابة، ولكن ينبغي أن يتعاون العَصَبات وذوو الأرحام في تحمُّل مثل هذه المغارم؛ فإن هذا مما تقتضيه المروءاتُ ومكارمُ الأخلاق.
وإذا كان الحديث عن الصلح وقد قال ربك جل وعلا: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: 128]فلا يبنغي أن نستطرد في الحديث عن العقوبات ومشروعيتها، فإن المقام مقام صلح وتغافر، وليس مقام معاقبة وتعاند. أسأل الله أن يسلل سخائم صدوركم، وأن يحبب إليكم العفو والتغافر وأن يزينه في قلوبكم. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (6/66) حديث (24417)، وأبو داود في كتاب «النكاح» باب «في الولي» حديث (2083)، والترمذي في كتاب «النكاح» باب «ما جاء لا نكاح إلا بولي» حديث (1102)، وابن ماجه في كتاب «النكاح» باب «لا نكاح إلا بولي» حديث (1879) من حديث عائشة ل أن النبي ﷺ قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ»، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/187) وقال: «رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال الترمذي: حسن. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وقال ابن الجوزي: رجاله رجال الصحيح. وقال ابن معين: إنه أصح حديث في الباب»، وكذا صححه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (1840).