مجزرة الكرة في مصر، ومقتل ما يزيد على سبعين، ما تعليقكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
تقف الكلمات حائرة مفجوعة أمام هذه الكارثة المروعة، كارثة بُيِّتَتْ بليلٍ، واستُدرج لها أغرار، ووقع ضحيتها مظلومون وأبرياء، ويقيني أنه لابد لله من جواب على من تولى كبرها وسعَّر حريقها.
لعله الآن مغتبط بنجاح تدبيره، ولعله يرقص على مرأى الدماء والأشلاء، ولكن الله له ولمثله بالمرصاد، وإن ربك لسريع الحساب، ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [العنكبوت: 4].
أتفهم أن يكون للناس أنشطة يروحون بها عن أنفسهم، أما أن تتحول هذه الأنشطة إلى ساحات للدمار والاحتراب تراق فيها أنهار من الدماء، وتوطن الفجيعة في القلوب، وتسرق الفرحة من الآباء والأمهات، فهذا أمر يخجل منه الخجل، ويستحيي منه الحياء.
ومن القبح الذي زاد من فواجع هذه المحنة هذه الأصوات التي انطلقت في الإعلام تنعى مصر إلى العالم، وتعلن تشييع كرامتها وحضارتها وشرفها إلى مثواه الأخير، وتتوعد بشقاء المستقبل أكثر من شقاء الماضي والحاضر، وترسل عبارات سوقية تنال أبناء الوطن جميعًا: شرفاء وجبناء، وطنيين ومتآمرين، وتُهيل التراب على الجميع، وتولول بعبارات جنائزية تزاد بها النار اتقادًا والجراح لوعة وحرقة.
إن جريمة هؤلاء في حق الكرامة الوطنية والعزة القومية لا تقل في ضراوتها وفتكها عن جرائم القتلة والمخربين، وإن كان الفرق بين هؤلاء وهؤلاء هو الفرق بين القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والقتل الخطأ في أحسن الأحوال، وإن كان كل من الموقفين قد أسفر عن أشلاء وضحايا تخضب وجه الأرض بدمائها الزاكية.
يقيني أن يد الله تعمل، وأنها تعمل بطريقتها الخاصة، وأن ما حدث رغم بشاعته وشناعته سيسهم في أن يتجاوز كثير من الناس خلافاتهم الهامشية، وتناقضاتهم المرحلية، وسيسعون للعمل على وحدة موقف، يجمع شتاتهم، ويضمد جراحهم، فلم تزل الأزمات تؤلف بين المأزومين، ولم تزل الجراحات والفواجع تجمع بين المجروحين والمفجوعين.
يا قومنا لم تجتمع هذه الأمة إلا على خلق ودين، فاستمسكوا بحبل الله واعتصموا به، وأروا الله من أنفسكم خيرًا، وقولوا للعالم أجمع بلسان الحال قبل لسان المقال. قد يتعثر الفارس، وقد يكبو به الجواد، وقد تزل القدم بالمؤمن، وتغلبه نفسه الأمارة بالسوء، ولكنه لا يُعطي الدنية، ولا يقنط من رحمة الله، فإنه لا يقنط من رحمة الله إلا الضالون، ولا ييئس من رَوْحه إلا القوم الكافرون، وإن العاقبة للتقوى، و«إِنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَإِنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»(1)، وصدق الله عز وجل إذ يقول: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: 105].
يا قومنا لم يزل هنالك رب رحيم، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل(2)، بيده ملكوت السموات والأرض(3)، الأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه(4)، فأحسنوا في عبوديته، وأخلصوا في طاعته يرسل السماء عليكم مدرارًا(5)، ويزدكم قوة إلى قوتكم(6)، ويسبغ عليكم من نعمه وألطافه ما لم يكن يخطر لكم على بال.
فاللهم لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/307) حديث (2804)، وعبد بن حميد في «مسنده» (1/214) حديث (636)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (1/434) حديث (745)، والحاكم في «مستدركه» (3/624) حديث (6304)، والضياء في «المختارة» (10/23) حديث (13)، من حديث عبد الله بن عباس ب. وذكره السخاوي في «المقاصد الحسنة» (1/257) وقال: «أورده الضياء في المختارة وهو حسن».
(2) أخرجه مسلم في كتاب «التوبة» باب «قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب» حديث (2759) من حديث أبي موسى رضي الله عنه .
(3) قال تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس: 83].
(4) قال تعالى: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: 67]
(5) قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴾ [نوح: 10- 11].
(6) قال تعالى: ﴿وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ولَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 52].