من الحالات التي عرضت علينا أن امرأة مسلمة حملت وكان قد جامعها عدة رجال في أسبوع واحد وهي لا تدري من أبو طفلها! فهل لها أن تسقط هذا الحمل خشية الفضيحة والعار؟ وما حكم توبتها؟ وإلى من ينسب الولد؟ نرجو رؤية شرعية من خلال معرفة هذه الأمور خاصة في هذه البلاد.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
إذا نفخت الروح في الجنين فقد اتفق أهل العلم على حرمة إسقاطه، مهما كانت الملابسات، ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة، إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم، فعندئذ يجوز إسقاطه، سواء كان مشوهًا أم لا؛ دفعًا لأعظم الضررين، فهذه هي الحالة الوحيدة التي يتسنى فيه إسقاط الجنين بعد هذه المرحلة. أما قبل ذلك فالأمر في موضع النظر الفقهي، والفقهاء ما بين موسع ومضيق، وأولى هذه الأقوال بالصواب هو القول بأن الأصل في إسقاط الجنين قبل نفخ الروح فيه هو المنع؛ لأنه مخلوق بصدد الحياة، وقد انعقدت له بدايات أسبابها، ففارق العزل من هذه الناحية، اللهم إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة ظاهرة؛ فإنه يجوز حينئذٍ مع الكراهية.
وعلى هذا فتتوقف الإجابة على هذا السؤال على معرفة عمر الجنين في رحم هذه المرأة؛ فإن كان لا يزال في بداياته وآنس المفتي منها توبة وندامة ورغبة في إصلاح ما أفسدت، وكان في إفتائها بذلك ما يعينها على التوبة ويهيئ لها التكيف مع المجتمع من حولها؛ فلا حرج إن شاء الله، أما إذا كانت لا تزال سادرة في غيها، آبقة على ربها، فلا جدوى في الإفتاء لها بذلك؛ لأنه يهيئ لها الطريق لجولة جديدة مع الإثم، وقد عرفت المخرج من الفضيحة ووجدت طريقًا قاصدًا إليه.
أما التوبة فإن بابها مفتوح على مصراعيه لمن شاء، فإن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فهو لا يقنط أحدًا من رحمته، ولا يغلق باب التوبة إليه في وجه أحد، وقد قال تعالى فيمن أشرك وقتل وزنى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾} [الفرقان: 68 – 70]
أما الولد فلا يثبت له نسب لأحد من هؤلاء الزناة، لقوله ﷺ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْـحَجَرُ»(2). ولأن النسب نعمة، والنعمة لا تنال بالمعصية، وإنما هو ابنها ينسب إليها؛ لأن أمومتها له متيقنة، أما هؤلاء الزناة فلما لم تكن فراشًا شرعيًّا لأحد منهم لم تصح نسبته لواحد منهم. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) متفق عليه: أخرجه البخاري (6749)، ومسلم (1457).