هل يجوز الجماع وبه جرح في يده؟ وكيف يكون الغسل؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا حرج في جماع من بيده جرح؛ إذ لا علاقة بين الأمرين.
أما كيفية الاغتسال بعد الجماع فإن لم يستطع غسل موضع الجرح فليمسح عليه، ويتيمم عنه، ويغسل سائر جسده؛ لما رواه أبو داود عن جابر بن عبد الله ب قال: خرجنا في سفرٍ فأصاب رجلًا منا حجرٌ فشجَّه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل فمات. فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخبِر بذلك فقال: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَـمْ يَعْلَمُوا، إِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصُرَ- أو يَعْصِبَ- شك موسى- عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا»(1).
ويكفي عند الأحناف الغسل والمسح على العضو المضمد.
ولا يشرع الجمع بين الوضوء والتيمم؛ لأن الجمع بينهما جمعٌ بين البدلِ والمُبدَلِ، ولا نظير له في الشرع.
قال صاحب «الاختيار لتعليل المختار» من الحنفية: «ولا يجمع بين الوضوء والتيمم، فمن كان به جراحة يضرها الماء ووجب عليه الغسل غسل بدنه إلا موضعها، ولا يتيمم لها، وكذلك إذا كانت الجراحة في شيء من أعضاء الوضوء غَسَل الباقي إلا موضعها، ولا يتيمم لها…؛ لأن الجمعَ بينهما جمعٌ بين البدل والمبدل، ولا نظير له في الشرع»(2).
ومن الأدلة على مشروعية الجمع بين طهارة الماء والتراب لمن لم يتمكَّن من غسل سائر بدنه، ما رواه أبو داود والحاكم وصححه على شرط الشيخين عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمتُ في ليلةٍ باردةٍ في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلَكَ، فتيمَّمت ثم صليتُ بأصحابي الصبحَ، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: «يَا عَمْرو صَلَّيْتَ بأصحَابك وأنتَ جُنُبٌ؟!». فأخبرتُه بالذي منعني من الاغتسال، وقلت إني سمعت الله يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقُل شيئًا. وفي رواية: فغسل مغابِنَه(3) وتوضأ وُضوءَه للصلاة ثم صلى بهم(4).
وجمع البيهقي بين رواية التيمم ورواية غسل المغابن والوضوء فقال: «فيحتمل أنه غسل ما قدر عليه وتيمم للباقِي»(5).
قال النووي في «المجموع»: «وهذا الذي قاله البيهقي متعيَّن لأنه إذا أمكن الجمع بين الروايتين تعين»(6). والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) أخرجه أبو داود (336). وقال ابن حجر في التلخيص (1/229): فيه الزبير بن خريق قال الدارقطني ليس بالقوي وقال ابن أبي داود تفرد بن الزبير.
(2) «الاختيار» (1/19-23).
(3) قوله مغابنه بفتح الميم وبغين معجمة وبعد الألف باء موحدة مكسورة والمراد بها هنا الفَرْجُ وما قاربه. «المجموع» (2/309).
(4) أخرجه أبو داود في كتاب «الطهارة» باب «إذا خاف الجنب البرد أيتيمم» حديث (334)، والحاكم في «مستدركه» (1/285) حديث (629)، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (1/68) وقال: «رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين»
(5) «سنن البيهقي الكبرى» (1/226).
(6) «المجموع» (2/309).