مس الذكر لا ينقض الوضوء عند علي وعمار وحذيفة وابن مسعود ، وهو مذهب أبي حنيفة(1) ورواية عن أحمد(2).
فهل حديث بسرة بنت صفوان: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» محمول على الاستحباب؟ وأن الدليل على صرفه من الوجوب إلى الاستحباب هو قوله في حديث طلق بن علي : «وَهَلْ هَوُ إِلَّا بَضْعَةٌ مِنْكَ»؟ وهل المقصود بشهوة أو بغيرها؟ وكيف نجمع بين الأدلة؟
برجاء أن تبينوا لنا الأرجح من الأقوال لأن انتقاض الوضوء يسبب حرجًا عند الكثير أثناء الغسل أو الحك أو تعديل السراويل وغير ذلك.
______________
(1) قال ابن نجيم في «البحر الرائق» (1/45-47): «(قوله: ومس ذكر) بالرفع عطف على المنفي، أي: لا ينقض الوضوء مس الذكر وكذا مس الدبر والفرج مطلقًا خلافًا للشافعي».
(2) قال ابن قدامة في «المغني» (1/131-135): «ونبدأ بالكلام في مس الذكر، فإنه آكدها. فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما: ينقض الوضوء… والرواية الثانية: لا وضوء فيه».
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن نقض الوضوء بمسِّ الفرج من القضايا الخلافية عند أهل العلم، والاحتياط لمن مسَّ فرجه بغير حائلٍ ولو بغير قصدٍ أن يتوضأ، خروجًا من الخلاف واحتياطًا للطهارة وما يستتبعها من العبادات التي تُشترط لها الطهارة.
وفي الباب حديث «إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ»(1).
وما جاء في «المسند» و«التِّرمذي» وغيرهما: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»(2).
وقد ذكر الخلاف كثير من الفقهاء ننقل لك منهم كلام ابن قدامة في «المغني» فقد قال :: «ونبدأ بالكلام في مس الذكر، فإنه آكدها. فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما: ينقض الوضوء. وهو مذهب ابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وأبان بن عثمان وعروة وسليمان بن يسار والزهري والأوزاعي والشافعي، وهو المشهور عن مالك(3)، وقد روي أيضًا عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وابن سيرين وأبي العالية. والرواية الثانية: لا وضوء فيه. روي ذلك عن علي وعمار وابن مسعود وحذيفة وعمران بن حصين وأبي الدرداء، وبه قال ربيعة والثوري وابن المنذر، وأصحاب الرأي؛ لما روى قيس بن طلق، عن أبيه، قال: قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا رسول الله، ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال: «وَهَلْ هُوَ إِلَّا بَضْعَةٌ مِنْكَ، أو مُضْغَةٌ مِنْكَ». رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه(4)؛ ولأنه عضو منه، فكان كسائره، ووجه الرواية الأولى ما روت بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»(5)، وعن جابر مثل ذلك(6). وعن أم حبيبة وأبي أيوب قالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»(7). وفي الباب عن أبي هريرة، رواهن ابن ماجه. وقال أحمد: حديث بسرة وحديث أم حبيبة صحيحان. وقال الترمذي: حديث بسرة حسن صحيح. وقال البخاري: أصحُّ شيء في هذا الباب حديث بسرة. وقال أبو زرعة: حديث أم حبيبة أيضًا صحيح، وقد روي عن بضعة عشر من الصحابة رضوان الله عليهم. فأما خبر قيس فقال أبو زرعة، وأبو حاتم: قيس ممن لا تقوم بروايته حجة ثم إن حديثنا متأخر؛ لأن أبا هريرة قد رواه، وهو متأخر الإسلام، صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين، وكان قدوم طلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يؤسسون المسجد أول زمن الهجرة، فيكون حديثنا ناسخًا له. وقياس الذكر على سائر البدن لا يستقيم؛ لأنه تتعلق به أحكام ينفرد بها من وجوب الغسل بإيلاجه والحد والمهر، وغير ذلك»(8). انتهى.
وقد قيَّد شيخُ الإسلام ابن تيميَّة : ذلك بالشَّهْوة.
فلمس العورة ينقض الوضوء عند الجمهور، ومن أهل العلم من قال بالوضوء من مسِّ الذكر على سبيل الاستحباب لا الوجوب جمعًا بين الأدلة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
فالجمع يقتضي أن المسَّ بشهوةٍ هو الذي يتعيَّن منه الوضوء، أما المسُّ بغير شهوة فهو الذي يُندب معه الوضوء ولا يجب لأنه بضعة منك. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) أخرجه ابن حبان (1118)، وقال: احتجاجنا في هذا الخبر بنافع بن أبي نعيم دون يزيد بن عبد الملك النوفلي لأن يزيد بن عبد الملك تبرأنا من عهدته في كتاب الضعفاء. وقال ابن حجر في الدراية (1/39): فيه يزيد ضعيف، ونافع فيه لين.
(2) أخرجه مالك في «موطئه» (1/42) حديث (89)، وأحمد في «مسنده» (6/390) حديث (27334)، وأبو داود في كتاب «الطهارة» باب «الوضوء من مس الذكر» حديث (181)، والترمذي في كتاب «الطهارة» باب «الوضوء من مس الذكر» حديث (82)، وابن ماجه في كتاب «الطهارة وسننها» باب «الوضوء من مس الذكر» حديث (479) من حديث بسرة بنت صفوان. وقال الترمذي: «حسن صحيح»، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (1/69) وقال: «قال البخاري: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة». وصححه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (116)، وهو في «صحيح الجامع» حديث (6554).
(3) وفي «شرح مختصر خليل» للخرشي (1/156-157): «(ص) ومطلق مس ذكره المتصل ولو خنثى مشكلًا ببطن أو جنب لكف أو أصبع، وإن زائدًا أحس (ش) يعني أن من الأسباب الناقضة للوضوء مس ذكره نفسه المتصل من غير حائل عمدًا أو سهوًا قصد اللذة أم لا ولو عنينا لا يأتي النساء مسه من الكمرة أو العسيب أو خنثى مشكلًا تخريجًا على من تيقن الطهارة وشك في الحدث».
(4) أخرجه أبو داود في كتاب «الطهارة» باب «الرخصة في ذلك» حديث (182)، والنسائي في كتاب «الطهارة» باب «ترك الوضوء من ذلك» حديث (165)، والترمذي في كتاب «الطهارة» باب «ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر» حديث (85)، وابن ماجه في كتاب «الطهارة وسننها» باب «الرخصة في ذلك» حديث (483). وقال الترمذي: «روي عن غير واحد من أصحاب النبي ﷺ وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك. وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب»، وصححه الألباني في «صحيح وضعيف سنن أبي داود» حديث (182)، وفي «مشكاة المصابيح» حديث (320).
(5) سبق
(6) أخرجه ابن ماجه في كتاب «الطهارة وسننها» باب «الوضوء من مس الذكر» حديث (480)، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (1235)
(7) أخرجهما ابن ماجه في كتاب «الطهارة وسننها» باب «الوضوء من مس الذكر» حديث (481) وحديث (482)، وصححه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (117)
(8) «المغني» (1/116).