ما حكم من وجد مذيًا بعد إتمام الغسل وشكَّ هل نزل أثناء الغسل أم بعد الغسل، هل يعاد الغسل؟ هذا يتكرر أحيانًا.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن المذي ليس من موجِبات الغسل، وإنما يوجب الاستنجاءَ ثم الوضوء، وهو نجس باتفاق العلماء، إلا أنه إذا أصاب البدن وجب غسله، وغسله بأن يصبَّ الماء حتى يُزيل عين النَّجاسة وأثرها.
فقد روي عن عليٍّ رضي الله عنه  قال: كنتُ رجلًا مذاءً، فاستحييتُ أن أسألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  لمكان ابنتِه مني، فأمرتُ المقدادَ بن الأسود فسأله فقال: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ»(1).
وفي الباب أيضًا حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه  قال: كنت ألقى من المذي شدةً وعناء، وكنت أُكثر منه الاغتسال، فذكرت ذلك لرسول الله عز وجل  فقال: «إِنَّمَا يَجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ». فقلت: يا رسول الله، كيف بما يُصيب ثوبي منه؟ قال: «يَكْفِيكَ أَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهِ ثَوْبَكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّه قَدْ أَصَابَ مِنْهُ»(2).
وأما ما يُصيب الثِّياب من المذي ففيه خلاف بين العلماء، فذهب الجمهور إلى أنه يجب غسله بحيث يتيقَّن زوال النَّجاسة(3)، وذهب الحنابلة إلى أنه يُكتفى بنضح الموضع الذي أصابه المذي من الثِّياب ولا يجب غسله تخفيفًا(4)؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى»: «والأقوى في المذي أنه يُجزئ فيه النَّضْح، وهو إحدى الروايتين عن أحمد(5)»(6).
وقال ابنُ القيِّم في «إغاثة اللهفان»: «ومن ذلك أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  سُئل عن المذي فأمر بالوضوء منه فقال: كيف ترى بما أصاب ثوبي منه؟ قال: «تَأْخُذُ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحُ بِهِ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ». فجوَّز نَضْح ما أصابه المذي، كما أمر بنَضْح بول الغلام(7)، قال شيخنا: وهذا هو الصَّواب؛ لأن هذه نجاسةٌ يشقُّ الاحتراز منها لكثرة ما يُصيب ثيابَ الشَّاب العزب، فهي أولى بالتخفيف من بول الغلام ومن أسفل الخف والحذاء». انتهى(8).
والنضح: هو الرش بالماء؛ ففي «لسان العرب» لابن منظور: «النضح: الرش، نَضَح عليه الماء، ينضحه نضحًا: إذا ضربه بشيء فأصابه منه رشاشٌ، ونضح عليه الماء ارتشَّ». انتهى(9).
زادك الله حرصًا وتوفيقًا. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الغسل» باب «غسل المذي والوضوء منه» حديث (269)، ومسلم في كتاب «الحيض» باب «المذي» حديث (303).

(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/485) حديث (16016)، وأبو داود في كتاب «الطهارة» باب «في المذي» حديث (210)، والترمذي في كتاب «الطهارة» باب «ما جاء في المذي يصيب الثوب» حديث (115)، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» حديث (210).

(3) انظر: «نيل الأوطار» (1/73) وما بعدها.

(4) قال ابن قدامة في «الكافي» (1/164-167): «وفي المذي روايتان: إحداهما: يجزئ نضحه … والثانية: يجب غسله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمَر بغسل الذكر منه، ولأنه نجاسة من كبير أشبه البول».

(5) جاء في «الإنصاف» من كتب الحنابلة (1/329-332): «أفادنا المصنف رحمه الله تعالى: أن المذي نجس، وهو صحيح. فيغسل كبقية النجاسات، على الصحيح من المذهب، وعليه الجمهور. وعنه في المذي: أنه يجزئ فيه النضح، فيصير طاهرًا به، كبول الغلام الذي لم يأكل الطعام».

(6) «الفتاوى الكبرى» لابن تيمية (4/399).

(7) سبق ذكره وتخريجه (377).

(8) «إغاثة اللهفان» (1/150).

(9) «لسان العرب» (نضح).