إطالة الشعر للرجُل

السؤال هو كالتالي: كنت في زيارة في مخيم من مخيمات جنوب لبنان، وخلال الجلسة كان أحد الشبان الصغار يتكلم عن أحد أصحابه، ولما وصف دينه قال: الحمد لله التزم وأطال شعره. فقلت له: وما علاقة الالتزام بإطالة الشعر؟ ودار نقاش بيني وبين الشباب الحاضرين والذين اتخذوا مذهبًا أنه سنة، في مقابل أني كنت أخالفهم معللًا إطالة الرسول صلى الله عليه وسلم شعره بأنه عادة كانت في مجتمعه، وأن مخالفة العادة والعرف من خوارم المروءة، وأما اليوم إطالة الشعر من خوارم المروءة؛ لأن عادة الناس اختلفت في الشعر.
فأريد أن أعرف هل في كلامي شيء، إنني أخاف أن أكون أخطأت؟ ففي مخيمات لبنان أصبحت ظاهرة إطالة الشعر عند كثير من الشبان فهذا يعمل ضفيرة وهذا ذؤابة أو ذؤابات، وهذا يجدل، وذاك يرسل على كتفيه، وفي المقابل أيضًا هناك من المتدينين من يحلقون على الصفر، أي كل شعرهم، وأيضًا يعللون ذلك بالسنة.
فأرجو أن تفيدونا في هذا الأمر: ما هي السنة في الشعر، هل الإطالة أم التقصير أم الحلق؟ وجزاكم الله خيرًا.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
نسوق لك بين يدي إجابة سؤالك مقدمة للتعريف بهديه صلى الله عليه وسلم في شعر رأسه ولحيته، ثم نردف ذلك بالإجابة عن سؤالك، فنقول:
كان شعره صلى الله عليه وسلم شديد السواد رَجِلًا، أي ليس مسترسلًا كشعر الروم ولا جعدًا كشعر السودان، وإنما هو على هيئة المتمشط، يصل إلى أنصاف أذنيه حينًا ويرسله أحيانًا فيصل إلى شحمة أذنيه أو بين أذنيه وعاتقه، وغاية طوله أن يضرب منكبيه إذا طال زمان إرساله بعد الحلق، وبهذا يجمع بين الروايات الواردة في هذا الشأن، حيث أخبر كل واحدٍ من الرواة عما رآه في حين من الأحيان.
أما الحلق فقد قال الإمام النووي: هذا، ولم يحلق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه- أي بالكلية- في سني الهجرة إلا عام الحديبية ثم عام عمرة القضاء ثم عام حجة الوداع.
وقال علي بن أبي طالب رضى الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر الرأس راجله. أخرجه أحمد، والترمذي: وقال حسن صحيح.
ولم يكن في رأس النبي صلى الله عليه وسلم شيب إلا شعيرات في مفرق رأسه، فقد أخبر ابن سعيد أنه ما كان في لحية النبي صلى الله عليه وسلم ورأسه إلا سبع عشرة شعرة بيضاء. وفي بعض الأحاديث ما يفيد أن شيبه لا يزيد على عشرة شعرات.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا ادَّهن واراهن الدُّهنُ. أي أخفاهن، وكان يدهن بالطيب والحناء.
وعن ابن عباس ب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رءوسهم، فسدل النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد. أخرجه البخاري ومسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يسدل شعره، أي يرسله، ثم ترك ذلك وصار يفرقه، فكان الفرق مستحبًّا، وهو آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم.
وفرق شعر الرأس: هو قسمته في المفرق وهو وسط الرأس.
وكان يبدأ في ترجيل شعره من الجهة اليمنى، فكان يفرق رأسه ثم يمشط الشق الأيمن ثم الشق الأيسر.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترجل غبًّا. أي يمشط شعره ويتعهده من وقت إلى آخر.
فعن عائشة ل قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في طهوره- أي الابتداء باليمين- إذا تطهر، وفي ترجله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل.
أما صفة لحيته فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن اللحية. أخرجه أحمد، وصححه أحمد شاكر.
وقالت عائشة ل: كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية. والكث: الكثير منابت الشعر الملتفها.
وكانت عنفقته بارزة، وحولها كبياض اللؤلؤ، في أسفل عنفقته شعر منقاد حتى يقع انقيادها على شعر اللحية حتى يكون كأنه منها. أخرجه أبو نعيم، والبيهقي في «دلائل النبوة»، وابن عساكر في «تهذيب تاريخ دمشق»، وابن أبي خيثمة في «تاريخه».
وعن عبد الله بن بسر رضى الله عنه قال: كان في عنفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرات بيض. أخرجه البخاري.
وقال أنس بن مالك رضى الله عنه: لم يختضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما كان البياض في عنفقته. أخرجه مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم أسود اللحية كثها، بمقدار قبضة اليد، يحسنها ويطيبها. أي يضع عليها الطيب.
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته، ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات. أخرجه الترمذي في «الشمائل»، والبغوي في «شرح السنة».
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم حف الشارب وإعفاء اللحية.
والفرق بين هديه في اللحية وهديه في شعر رأسه صلى الله عليه وسلم أن اللحية جاء الأمر بها والتأكيد على إعفائها والتحذير من حلقها بخلاف شعر الرأس فإنه هدي عملي لم يرد فيها ما ورد في اللحية من التأكيد والتشديد، ومع هذا فمن استن به صلى الله عليه وسلم في شعره واتبع في ذلك هديه فهو مأجور غير مأزور، ولا ينبغي لأحد أن يثرب عليه على ألا يتخذ من ذلك سببًا في الطعن في مخالفه أو التثريب عليه، والذين يطيلون شعورهم من غير المتدينين لا يعفون معها لحاهم، مع أن إعفاء اللحية آكد، كما أنهم لا يتعمَّمون، وقد كان غالبُ هديه صلى الله عليه وسلم ارتداء العمامة، فظهر الفَرق بين من يفعلون ذلك تدينًا، ومن يفعلونه لمجرد الوسامةِ أو طلب التجمُّل أو جريًا وراء بعض التقاليع الوافدة، وحال هؤلاء وأولئك لا يخفى على المتأمل. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   01 الطهارة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend