السُّؤال الأوَّل: هل استخدام الزُّيوت والكريم للشَّعر والجلد يُعتبر حائلًا لا يَصِح معه الوضوء والغسل إلا بإزالته أوَّلًا؟ وضعتُ على شعري كميةً يسيرةً من كريم الفازلين، فهل أغتسل من دون إزالة الفازلين بالصابون، أم أنه لابد من إزالته أولًا ثم الاغتسال؟ وإذا كانت الكميةُ اليسيرة لا تُؤثِّر في الطَّهارة، فما ضابطُ الكمية اليسيرة؟ وما معنى قول بعض أهل العلم: إذا كان الدُّهن له جِرْم فلا تَصِحُّ الطهارة؟
السُّؤال الثَّاني: في أثناء الغسل إذا غسلتُ نصفَ جسدي ثم أحدثت حدثًا أصغر هل أُكمل نصفَ جسدي الآخر أم أبدأ من جديد؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الطَّهارةَ من الحدث تقتضي تعميمَ الماء على أعضاء الوضوء في الحدث الأصغر، وعلى جميعِ الجسد في الحدث الأكبر، وإزالةَ كلِّ ما يمنع وصول الماء إلى تلك الأعضاء، فإذا مَنَع مانعٌ من وصول الماء إليها لم تصحَّ الطَّهارة ما لم تَعسُر إزالته أو يكون في إزالته ضررٌ على الشَّخْص، كأن يكونَ قد وضع للتَّداوي.
والرأس كغيره من أعضاء الطَّهارة، فيجب إزالةُ كلِّ ما يَحُول دون وصول الماء إلى الشَّعر في الوضوء. قال ابن قُدَامة :: «ولو خضَّب رأسَه بما يستره أو طيَّنه لم يُجْزِئه المسحُ على الخضاب والطِّين، نصَّ عليه في الخِضاب؛ لأنه لم يمسح على محلِّ الفَرْض، فأشبه ما لو تَرَك على رأسه خِرقةً فمسح عليها(1).
وهذا الزَّيت الذي جاء الاستفتاءُ عنه إن كان له جِرْمٌ جامدٌ فإنه يُعَدُّ حائلًا، وإذا لم يكن كذلك فليس هو بحائلٍ.
وضابط ما يمنع وصولَ الماء قد بيَّنه أهلُ العلم؛ يقول النَّووَيُّ: «إذا كان على بعض أعضائه شمعٌ أو عجين أو حِنَّاء أو أشباهُ ذلك فمَنَع وصولَ الماء إلى شيءٍ من العضو لم تصحَّ طهارتُه، سواءٌ كَثُر ذلك أم قلَّ، ولو بقي على اليدِ وغيرِها أثرُ الحِنَّاء ولونُه دون عينه، أو أثرُ دُهنٍ مائعٍ بحيث يَمَسُّ الماءُ بَشَرةَ العضو ويجري عليها لكن لا يَثبُت- صحَّت طهارتُه». انتهى(2).
ويُفرَّق في الحِنَّاء بين جِرْمها عندما تضعها فهذا الذي نتحدَّث عنه، أما لونها بعد غسلها فلا أثر له، ولا نستطيع الحكمَ على كريم مُعيَّنٍ- سواءٌ أكان من الفازلين أم كان من غيره- أيمنع وصول الماء أو لا يمنع ذلك، ولكن الشخصَ نفسه ينظر: فإذا كانتِ المادةُ المذكورة مانعةً من وصول الماء إلى شعر الرأس أو بشرة الجلد فلا يُجزئ الوضوء مع وجودها، وإن لم تكن كذلك فلا أثر لها.
وجاء في «التَّاج»: «أمَّا الأدهان على أعضاء الوضوء فإن كانت غليظةً جامدة تمنع ملاقاة الماء فلابُدَّ من إزالتها، وإن لم تكن كذلك صحَّتِ الطَّهارة»(3).
فالـمُعتَبرُ وصولُ الماء ونفاذُه إلى البدن دون ثباته واستقراره على العضو.
وعلى هذا فإذا كانت هذه الكميةُ يسيرةً كما تذكرين لا تمنع وصولَ الماء ومرورَه على العضو وإن لم يثبت الماءُ على العضو فإنها لا تمنع الطهارةَ ولا تُؤثِّر على صحتها، مع ضرورة إمرار اليد على العضو حتى لا ينزلق الماء عنه.
وأما إذا عرض لك ناقضٌ من نواقض الوضوء في أثناء الغسل فإنه ينقض الوضوء الذي بدأتَ به الغسل، ولكنه لا ينقض الغسل ذاته، فلو بَنَيْتَ على ما بدأت به صَحَّ الغسلُ ولزمك الوضوءُ بعد ذلك، وإن استأنفتَ الغسل من جديدٍ ليصحَّ لك الأمران جملةً واحدة فلا حرج، والأمر في ذلك واسعٌ. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) المغني (1/89).
(2) «المجموع» (1/529).
(3) «التاج والإكليل» (1/163).