لقد مر على ولادة ابني شهر ونصف، وما زالت تنزل قطرات من الدم، ولا أعرف إذا كان هذا دم حيض أم لا؟ وهل يجوز لي الصلاة؟ علمًا بأنني لم تأتني الدورة الشهرية إلا الآن. الرجاء الرد على سؤالي.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن جمهور أهل العلم على أن أكثر النفاس أربعون يومًا، فإذا تجاوز الدمُ ذلك فهو استحاضة، إلا إذا صادف عادة حيضها، وهذا مذهب أبي حنيفة(1) وأحمد في روايةٍ وهي المشهورة من مذهبه(3)، وحكاه التِّرْمذي في «جامعه» عن سفيان وابن المبارك وإسحاق وأكثر أهل العلم(2)، وهذا هو الذي صحت نسبته إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو موافق لقول أهل الخبرة من الأطباء، وقد ثبت عن ابن عباسٍ ب أنه قال: النُّفساء تنتظر نحوًا من أربعين يومًا. رواه ابن الجارود في «المنتقى»(4)، وروى أحمد وأبو داود والتِّرْمذي وابن ماجه عن أم سلمة ل قالت: كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يومًا، وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكَلَف.
وهذا الإسناد مُختلَفٌ فيه، وقد ضعَّفه ابنُ القطَّان وابن حزم، وصحَّحه الحاكم وحسَّنه النَّوَوي وغيره(5).
وقال ابن عبد البر: في «الاستذكار»: «ليس في مسألة أكثر النفاس موضع للاتباع والتقليد إلا من قال بالأربعين، فإنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا مخالف لهم منهم، وسائر الأقوال جاءَت عن غيرهم، ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم؛ لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم، والنَّفس تسكن إليهم، فأين المهرب عنهم دون سنة ولا أصل»(6).
وعلى هذا فتنتظر صاحبة النَّازلة حتى تبلغ أربعين يومًا ثم تغتسل وتصلي، ولا تلتفت إلى ما يكون بعد ذلك من كدرة أو صفرة. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) قال في «الهداية» (1/188-189): «(وأكثره أربعون يومًا والزائد عليه استحاضة)؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام وقَّت للنفساء أربعين يومًا».
(2) قال البهوتي في «كشاف القناع» (1/219): «(وإن جاوز) دم النفاس (الأربعين) يومًا (وصادف عادة حيضها) ولم يزد عن العادة (فـ) المجاوز (حيض) لأنه دم في زمن العادة أشبه ما لو يتصل بزمن النفاس. (فإن زاد) المجاوز (على العادة ولم يجاوز أكثر الحيض) فحيض إن تكرر (أو لم يصادف عادة) حيضها (ولم يجاوز أكثره) أي: أكثر الحيض (أيضًا فحيض إن تكرر) ثلاثًا كدم المبتدأة المجاوز لأقل الحيض (وإلا) بأن زاد على العادة، وجاوز أكثر الحيض، أو لم يصادف عادة وجاوز أكثره (فاستحاضة) ولو تكرر، لأنه لا يصلح حيضًا ولا نفاسًا».
(3) انظر «جامع الترمذي» كتاب «الطهارة» باب «ما جاء في كم تمكث النفساء» حديث (139).
(4) أخرجه ابن الجارود في «المنتقى» ص39 حديث (119).
(5) أخرجه الحاكم في «مستدركه» (1/283) حديث (622)، وحسنه النووي في «خلاصة الأحكام» (1/240) وابن مفلح في «الآداب الشرعية» (2/401).
(6) الاستذكار» لابن عبد البر (1/355).