ما فضل صلاة النافلة في البيوت؟ هل ورد حديث صحيح في مضاعفة صلاة النافلة في البيوت كمضاعفة صلاة الفرض في المساجد؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الذي تقتضيه الأدلة أنَّ فعل النافلة في البيوت أفضلُ من فعلها في المسجد، إلا ما شُرع له الجماعة كالعيد والكسوف والاستسقاء، وكذا التراويح على الأصح، وكذا ركعتي الطواف اتباعًا لفعله صلى الله عليه وسلم لهما خلفَ المقام(1)، وكذلك تحية المسجد لاختصاصها بالمسجد، وما عدا ذلك ففعلُه في البيت أفضل لدخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «أفْضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ الـمَرْءِ في بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ»(2).
وحديث مسلم: «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا»(3).
وثبت في الصحيحين عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجْعَلُوا فِيبُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا»(4).
ولمن يستشكل على ذلك بمضاعفة الصلاة في الحرم يقال له: متابعة السنة واتباعها أفضلُ من المضاعفة؛ ولهذا من يصوم يومًا ويفطر يومًا أفضل ممن يصوم الدهرَ، مع أن العمل من الثاني أكثر، وهذا من بركات ملازمة السنة.
ومن النوافل التي تؤدَّى في البيوت:
صلاة آخر الليل: فقد كان صلى الله عليه وسلم يصليها في بيته إذا قام من النوم آخرَ الليل، يصلي ويستفتح صلاتَه بدعاء الاستفتاح المشهور «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل…»(5) ويجعل وتره آخر الليل.
صلاة سنة الفجر الراتبة: وهي ركعتان، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهما خير من الدنيا وما فيها(6)، فكان صلى الله عليه وسلم يصليها في بيته ويحافظ عليها فلا يتركها لا في حضر ولا سفر(7).
سنة الضحى: فهي من النافلة التي تفعل في البيوت- إن تيسر- وإلا ففي أي مكان. وأقلها ركعتان وأكثر ما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات(8).
راتبة الظهر: كان صلى الله عليه وسلم يصلي بعدَ زوال الشمس وقبلَ صلاة الظهر أربعَ ركعات، وكان يصليها في بيته ويقول: «إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ»(9).
ومن أوجه الحكمة في تفضيل صلاة النافلة في البيوت ما قال النووي: «كونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيْتُ بذلك، وتنزل الرحمة فيه والملائكة، وينفر الشيطان منه. وفيه أن الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أولى من الفضيلة المتعلقة بمكانها؛ إذ النافلة في البيت فضيلةٌ تتعلق بها؛ فإنه سبب لتمام الخشوع والإخلاص فلذلك كانت صلاتُه في بيته أفضلَ منها في مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم»(10).
ولم يصح حديث مرفوع صريح في مضاعفة النافلة في البيت على الفريضة في الجماعة بالمسجد. ولكن قد صحَّ ذلك موقوفًا على بعض الصحابة، فعن ضمرة بن حبيب، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال رضي الله عنه: تَطَوُّعُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ يَزِيدُ عَلَى تَطَوُّعِهِ عِنْدَ النَّاسِ، كَفَضْلِ الْـجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ(11).
كما صح أثر عن تابعي جليل من أعلم الناس بالسنة وهو القاسم بن محمد. فعَنْ خالد بن مهاجر قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إِنَّ الصَّلاةَ النَّافِلَةَ تَفْضُلُ فِي السِّرِّ عَلَى الْعَلانِيَةِ، كَفَضْلِ الْفَرِيضَةِ فِي الْـجَمَاعَةِ. وإسناده صحيح(12). والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق من أجلِّ التابعين وخيارهم، وأعلمهم بالسنة. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الصلاة» باب «قول الله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى» حديث (396)، ومسلم في كتاب «الحج» باب «ما يلزم من أحرم بالحج ثم قدم مكة من الطواف والسعي» حديث (1234)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الأذان» باب «صلاة الليل» حديث (731)، ومسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد» حديث (781) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.
(3) أخرجه مسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد» حديث (778) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(4) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «التطوع في البيت» حديث (1187)، ومسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد» حديث (777).
(5) أخرجه مسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «الدعاء في صلاة الليل وقيامه» حديث (770) من حديث رضي الله عنه.
(6) أخرجه مسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما» حديث (725) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(7) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «تعاهد ركعتي الفجر ومن سماهما تطوعًا» حديث (1163)، ومسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما» حديث (724)، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكنِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على شيءٍ من النوافل أشدَّ منه تعاهدًا على ركعتي الفجر.
(8) أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «صلاة الضحى في السفر» حديث (1176).
(9) أخرجه الترمذي في كتاب «الصلاة» باب «ما جاء في الصلاة عند الزوال» حديث (478) من حديث عبد الله بن السائب رضي الله عنه، وقال الترمذي: «حديث حسن».
(10) «شرح النووي على صحيح مسلم» (6/68).
(11) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (3/70) حديث (4835).
(12) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (1/49) حديث (151).