صلاة من لا يُحسن نُطقَ الضاد في قراءة الفاتحة

ما حكم من لا يحسن نُطق الضاد في قراءة الفاتحة في الصلاة؟ هل تصح صلاته وصلاة من اقتدى به؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن جماهير أهل العلم على ركنيَّةِ الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة فرضًا كانت أو نفلًا، لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا صَلَاةَ لِـمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»(1).
فلا تصحُّ الصلاةُ بدونها، فمن أخلَّ بها أو بشيءٍ منها لم تصحَّ صلاتُه.
وللتأكيد على ذلك نصُّوا على أن في الفاتحة إحدى عشرة شَدَّةً، بل لو أضفنا إليها ثلاثًا في البسملة لصار المجموع أربعَ عشرة شدةً، فمن ترك تشديدةً منها لم تصحَّ صلاتُه، وكذلك من لحن فيها لحنًا يحيل المعنى، كما لو أبدلَ حرفًا بحرفٍ مع القدرة على النطق بالحرف الصحيح، كأن أبدل السين صادًا، أو الذال زايًا، ونحوه، فصلاته باطلة؛ لأنه لم يقرأ الفاتحة. مع مراعاة ما جاء في القراءات الصحيحة فيما يتعلق بهذه السورة.
قال النووي رحمه الله في «شرح المهذب»: ((تجب قراءةُ الفاتحة في الصلاة بجميع حروفها وتشديداتها، وهن أربع عشرة تشديدةً، في البسملة منهن ثلاث، فلو أسقط حرفًا منها أو خفف مشددًا أو أبدل حرفًا بحرف مع صحة لسانه لم تصحَّ قراءتُه، ولو أبدل الضادَ بالظاء ففي صحَّة قراءته وصلاته وجهان للشيخ أبي محمد الجويني. قال إمام الحرمين والغزالي في «البسيط» والرافعي وغيرهم: (أصحهما) لا تصحُّ. وبه قطع القاضي أبو الطيب. قال الشيخ أبو حامد: كما لو أبدل غيره. (والثاني): تصحُّ لعسر إدراك مخرجهما على العوام وشبههم.
ونلاحظ عجزَ كثير من العجم عن النطق الصحيح بكلِّ حروف الهجاء العربية، كنطقهم الطاءَ تاءً والعينَ ألفًا ونحوه، بل إن بعض الناطقين بالعربية قد لا يُحسن قراءة الضاد فينطقها ظاءً ونحوه. فما حكم صلاة هؤلاء؟
والجواب عن ذلك أن القدرةَ مناطُ التكليف؛ فحديث العهد بالإسلام وباللغة العربية لا يقوى لسانه على نطقِ بعض الحروف لعدم وجود نطيرٍ لها في لغته، فيطالب بالتمرُّن على نطق هذه الحروف، ولا يُقضَى ببطلان صلاته قبل ذلك، لما سبق من أن القدرة مناطُ التكليف، ولأن من تحدثوا عن بطلان صلاة من بدَّل حرفًا مكان حرف قيدوا ذلك بالقدرة على النطق الصحيح.
وكذلك من شاع في محلته نطقُ الضاد ظاءً فإنه يُنصح ويطالب بالتمرُّن على ذلك، ولا يقضى ببطلان صلاته ولا بصلاة من اقتدى به في هذه المرحلة الانتقالية. بل سهَّل بعضُ أهل العلم في الحروف المتقاربة المخرج كالضاد والظاء.
ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن من أبدل الضاد ظاءً فصلاته صحيحة لقُرب المخرج ومشقة الاحتراز، قال رحمه الله: ((والوجه الثاني: تصحُّ. وهذا أقرب؛ لأن الحرفين في السمع شيءٌ واحد، وحِسُّ أحدهما من جنس حِسِّ الآخر لتشابه المخرجين، والقارئ إنما يقصد الضلال المخالفَ للهدى، وهو الذي يفهمه المستمعُ، فأما المعنى المأخوذ من «ظَلَّ» فلا يخطر ببال أحدٍ، وهذا بخلاف الحرفين المختلفين صوتًا ومخرجًا وسمعًا))(2). انتهى.
ومثل ذلك يقال في إبدال التاء طاءً، فقد قال بعضُ متأخري الحنفية(3) وبعض متأخري الشافعية(4) بأن الصلاة مع هذا تصحُّ لمشقة الاحتراز وعموم البلوى، ولأن الأمرَ إذا ضاق اتسع، ومنهم من فرق بين صلاة العوام فصححها مع هذا الإبدال وصلاة الفقهاء، فقال ببطلانها لإمكان التحرُّز في حقهم.
قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله في «المنح الفكرية شرح المقدمة الجزرية»: ((وخلاصة المرام ما ذكره ابنُ الهمام من أن الفصلَ إن كان بلا مشقةٍ كالطاء مع الصاد، فقرأ الطالحات مكان الصالحات، تَفْسُدُ، وإن كان بمشقَّة كالظاء مع الضاد والصاد مع السين، والطاء مع التاء قيل: تَفْسُد، وأكثرهم لا تفسد، وذكر صاحب «المنية» أنه إذا قرأ الظاء مكان الضاد المعجمتين أو على القلب فتَفْسُد صلاته وعليه أكثر الأئمة، ورُوي عن محمد بن سلمة: لا تفْسُد؛ لأن العجم لا يميزون بين هذه الأحرف، وكان القاضي الإمام الشهيد يقول: الأحسن فيه أن يُقال: إن جرى على لسانه ولم يكن مميِّزًا وكان في زعمه أنه أدى الكلمة على وجهها- لا تفسُدُ صلاته. وكذا روي عن محمد بن مقاتل وعن الشيخ الإمام إسماعيل الزاهد، قال الشارح: وهذا معنى ما ذكر في فتاوى الحجة أنه يُفتى في حق الفقهاء بإعادة الصلاة، وفي حق العوام بالجواز. أقول: هذا تفصيل حسَنٌ في هذا الباب. والله أعلم بالصواب)). انتهى كلامه رحمه الله بحروفه.
والجمهور يأبَوْنَ هذا كما رأيته في كلام النووي السابق.
ويقول الإمام الحطاب: ((وأما الأعجمي الذي يلفظ بالضاد ظاءً، والألثغ الذي يلفظ بالراء خفيف الغين طبعًا- فتصحُّ إمامته؛ لأنه ليس في ذلك إحالةُ معنى، وإنما هو نقصان حروف)). ثم خلُص إلى القول: ((والظاهر في هذا أنه من اللحن الخفي، وأنه لا تبطل به إلا مع ترك ذلك عمدًا مع القدرة عليه.. والله أعلم))(5).
ويقول الصاوي في «حاشيته على الشرح الصغير»: «(و) صحت (بغير) أي بقراءة غير (مميِّز بين كضاد وظاء) بالمعجمتين كما في لغة بعض العرب الذين يقلبون الضاد ظاء، وأدخلت الكاف من يقلب الحاء المهملة هاءً أو الراء لامًا أو الضاد دالًا كما في بعض الأعاجم. (لا) تصلح (إن تعمَّد) اللحن أو تبديل الحروف بغيرها، فلا يصح الاقتداء به»(6).
وقد تطرَّق الإمام ابن كثير رحمه الله إلى التداخُل الحاصل في نطق الضاد والظاء فقال: ((والصحيح من مذاهب العلماء أنه يُغتفر الإخلال بتحريرِ ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما، وذلك أن الضاد نُخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، ولأن كلًّا من الحرفين من الحروف المجهورة، ومن الحروف الرخوة، ومن الحروف المطبقة، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك))(7).
ومن صحت صلاتُه لنفسه صحَّت صلاته لغيره، فلا تبطل الصلاة بالاقتداء بمن كان هذا حاله ما دام لا يُحسن القراءة إلا على هذا النحو، هذا في باب الصحة والبطلان.
ولكن المشروع أن يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله(8)، ولا ينبغي أن يقدم غير الأقرأ، ولا مَن لا يُحسن نُطقَ بعض حروف العربية، إلا إذا كان الأقرأُ فاسقًا غيرَ رضيٍّ في دينه. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأذان» باب «وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات» حديث (756)، ومسلم في كتاب «الصلاة» باب «وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها» حديث (394)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(2) «مجموع الفتاوى» (23/350).
(3) جاء في «حاشية ابن عابدين» (1/633): « الأصل فيما إذا ذكر حرفا مكان حرف وغير المعنى إن أمكن الفصل بينهما بلا مشقة تفسد، وإلا يمكن إلا بمشقة كالظاء مع الضاد المعجمتين والصاد مع السين المهملتين والطاء مع التاء قال أكثرهم لا تفسد».
(4) جاء في «روضة الطالبين» (3/393): «إذا لحن في الفاتحة لحنا يخل المعنى بأن ضم تاء أنعمت أو كسرها أو كسر كاف إياك نعبد أو قال إياء بهمزتين لم تصح قراءته وصلاته إن تعمد وتجب إعادة القراءة إن لم يتعمد وإن لم يخل المعنى كفتح دال نعبد ونون نستعين وصاد صراط ونحو ذلك لم تبطل صلاته ولا قراءته ولكنه مكروه ويحرم تعمده ولو تعمده لم تبطل قراءته ولا صلاته هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور وفي التتمة وجه أن اللحن الذي لا يخل المعنى لا تصح الصلاة معه».
جاء في «حاشية الجمل» (2/217): «المعتمد أنه متى تعمد الإبدال بطلت صلاته سواء غير المعنى أو لا بخلاف اللحن فيفرق فيه بين ما غير المعنى فيضر وما لا فلا ».
(5) «مواهب الجليل» (2/99- 103).
(6) «حاشية الصاوي» (1/433-440).
(7) «تفسيرابن كثير» (1/31).
(8) ففي الحديث الذي أخرجه مسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «من أحق بالإمامة» حديث (673) من حديث أبِي مسعودٍ الأنصاريِّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتابِ الله، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْـهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ».

تاريخ النشر : 19 أغسطس, 2025
التصنيفات الموضوعية:   02 الصلاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend