اجتمع في هذا العام الجمعةُ والعيدُ، وترتَّب على ذلك بعضُ الأحكام، وسؤالي: هل يَصِحُّ أن نُصلِّيَ العيدَ ثم نُصلِّي الجمعةَ، علمًا بأننا نُصلِّي الجمعة قبل الزوال، فهل يصح فعلُ الصلاتين جميعًا في نفس اليوم قبل الزوال، أي أن نُصلِّيَ العيد الساعة التَّاسعة ثم بعد الانتهاء منها ننصرف ونعود بعد ساعتين نُصلِّي الجمعةَ يعني قبل الزوال؟ أفيدونا جزاكم اللهُ خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد علمتَ أيُّها المُوفَّق أنه إذا اجتمع العيدُ والجمعةُ فإنه يُرخَّص لمن شهد العيدَ أن يتخلَّف عن الجمعة، ولكن لابُدَّ أن تُقام الشعيرتان على مستوى المساجد حتى يشهد إحداهما من فاتَتْه الأخرى، ومن حضرالشعيرتين معًا فقد أخذ بالعزيمة وأتى بالأكمل.
وفي الباب جملةٌ من الأحاديث، نذكر منها:
• حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن معاويةَ بن أبي سفيان رضي الله عنه سأله: هل شهدتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يومٍ واحد؟ قال: نعم. قال: كيف صَنَع؟ قال: صلَّى العيدَ ثم رَخَّص في الجمعة فقال: «مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ»(1).
• وشاهدُه المذكور هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْـجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ»(2).
• وحديث ابن عمر ب قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى بالنَّاس ثم قال: «مَنْ شَاءَ أَنْ يَأْتِيَ الْـجُمُعَةَ فَلْيَأْتِهَا وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَخَلَّفَ فَلْيَتَخَلَّفْ». رواه ابن ماجه(3).
ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» بلفظ: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : يوم فطرٍ وجُمُعة، فصلَّى بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العيدَ ثم أقبل عليهم بوجهه فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا وَأَجْرًا، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَمِّعَ مَعَنَا فَلْيُجَمِّعْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ فَلْيَرْجِعْ»(4).
• وحديث ابن عباس ب أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجْتَمَعَ عِيدَانِ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْـجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ». رواه ابن ماجه، وقال البوصيريُّ: «إسناده صحيح ورجاله ثقات». انتهى(5).
أمَّا قضيَّة ميقات صلاة الجمعة فتلك قضيَّة مستقلة، فالأصل في ميقات الجمعة أنه نفسُ ميقات صلاة الظهر، أي بعد الزوال، ويُرخَّص عند الحاجة في صلاتها قبل ذلك، وهذه الرُّخْصة تنطبق على يوم العيد كما تنطبق على غيره. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (4/372) حديث (19337)، وأبو داود في كتاب «الصلاة» باب «إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد» حديث (1070)، والنسائي في كتاب «صلاة العيدين» باب «الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد» حديث (1591)، والحاكم في «مستدركه» (1/425) حديث (1063)، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وله شاهد على شرط مسلم»، وذكره النووي في «خلاصة الأحكام» (2/816) وقال: «رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن».
(2) أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد» حديث (1073)، وابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب «ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم» حديث (1311)، والحاكم في «مستدركه» (1/425) حديث (1064)، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم»، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (1/155) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات».
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب «ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم» حديث (1312)، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (1/155) وقال: «هذا إسناد ضعيف وله شاهد من حديث زيد بن أرقم».
(4) أخرجه الطبراني في «الكبير» (12/435) حديث (13591) من حديث ابن عمر رضي الله عنه ، وذكره ابن الملقن في «البدر المنير» (5/103- 104) وقال: «قال ابن الجوزي في (علله): هذا حديث لا يصح».
(5) سبق تخريجه يوم» حديث (1311).