أنا حامل، وأتعب كثيرًا في الصَّلاة، هل يُمكنني الصَّلاة جالسة، أم أن هذه الرُّخصة للعاجز فقط؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الأصلَ في الصَّلاة أن تكونَ من قيامٍ، فمن عجز عن القيام جاز له أن يُصلِّي قاعدًا، فإن عجز عن القعود فعلى جنبٍ؛ فقد اتَّفق أهلُ العلم على أن القيامَ في صلاة الفريضة ركنٌ من أركان الصَّلاة لا تَصِحُّ الصَّلاة إلا به مع القدرة عليه؛ لقوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238]؛ ولما ورد في الحديث عن عِمْران بن حُصَين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير، فسألتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الصَّلاة، فقال: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَـمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ». والعجز هنا يعني العجز التَّامَّ الحقيقيَّ، أو الـمَشَقَّة البالغة التي تخرج عن الـمَشَقَّة الطبيعيَّة التي لا تنفكُّ عنها سائر التَّكاليف.
وعلى هذا فإن مَرَدَّ هذا الأمر إلى ديانتِك وتقواكِ لله عز وجل ، فإن كانت الـمَشَقَّة بالغةً وشديدة فإن اللهَ يُحب أن تُؤتى رُخَصُه كما يُحب أن تُؤتى عزائمه(1)، وإن كانت الـمَشَقَّةُ محتملةً فاصبري ولك الأجر إن شاء الله، وفي مثل هذا يُقال: استفتيِ قلبَكِ وإن أفتاك النَّاس وأفتَوك(2). واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (2/69) حديث (354)، والطبراني في «الكبير» (11/323) حديث (11880) من حديث ابن عباس ب، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/162) وقال: «رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجال البزار ثقات».
وأخرجه البيهقي في «الكبرى» (3/140) حديث (5199) من حديث عبد الله بن عمر ب، وذكره النووي في «خلاصة الأحكام» (2/729) وقال: «رواه البيهقي بإسناد جيد».
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (8/82) حديث (8032)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (2/151) حديث (1079) من حديث عائشة ل، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/163) وقال: « رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمر بن عبيد صاحب الخمر وهو ضعيف».
وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفًا في «مصنفه» (5/317): حديث (26471) من قول عبد الله بن مسعود t بلفظه. وفي حديث (26473) من قول عبد الله بن عمر ب، وحديث (26474) من قول ابن عباس ب، بلفظ: «إن الله يحب أن تؤتى مياسره».
وأخرجه أحمد في «مسنده» (2/108) حديث (5866)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2/73) حديث (950)، وابن حبان في «صحيحه» (6/451) حديث (2742)، والطبراني في «الأوسط» (5/275) حديث (5302)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (3/403) حديث (3890) من حديث ابن عمر ب: بلفظ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ»، وذكره المنذري في «الترهيب والترغيب» (2/87) وقال: «رواه أحمد بإسناد صحيح والبزار والطبراني في الأوسط بإسناد حسن وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما».
(2) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (4/228) حديث (18030)، والدارمي في كتاب «البيوع» باب «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» حديث (2533)، وأبو يعلى في «مسنده» (3/160- 161) حديث (1586)، من حديث وابصة بن معبد الأسدي t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لوابصة: «جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟» قال: قلت: نعم. قال: فجمع أصابعه فضرب بها صدره وقال: «اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ يَا وَابِصَةُ- ثَلَاثًا- الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ». وذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (2/351) وقال: «رواه أحمد بإسناد حسن»، والنووي في «رياض الصالحين» ص130 وقال: «حديث حسن رواه أحمد والدارمي في مسنديهما».