تعمر المساجد في شهر رمضان المبارك بالمصلين من كافة الأعمار رجالًا ونساء بصلاة القيام والتهجد، ولا يخفى عليكم فضل الصلاة في الجماعة، ولكني أخص بسؤالي حالتي في صلاة التهجد؛ حيث جرت العادة على اجتماع الناس عليها في بلدي من نصف الشهر الكريم بعد منتصف الليل تقريبًا لقرب موعد السحور، وطوال هذه الفترة تعج المساجد بأفراد لا علم لهم بآداب وفقه الجماعات، ومع طول وقت الاستراحات بين كل ركعتين أجدني فقدت خشوعي وانخفض وقت قيامي وعدد الأجزاء التي اعتدت على القيام بها كل ليلة طوال العام، حتى أجد أن قيامي في التهجد في الجماعة أضعف حفظي ومراجعتي لكتاب الله وقلل من وردي الذي اعتدت على القيام به في كل ليلة، ومع حرصي على اختيار الأقرب لرضا الله وثوابه وتذوق حلاوة طاعته، أرجو أن تفتوني في أيهما أفضل صلاة التهجد في الجماعة أم منفردًا معتزلًا الناس؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
يتفرع القول في مسألتك عن القول في الأفضل في صلاة التراويح: الجماعة أم الانفراد؟ وقد اختلف أهل العلم في الإجابة عن هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
– فمنهم من ذهب إلى أن الجماعة في صلاة التراويح أفضل من الانفراد، وهو مذهب الجمهور(1)؛ لحديث: «مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كَتَبَ اللهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ». ولإجماع الصحابة على ذلك، وعليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا.
– ومنهم من ذهب إلى أن الانفراد أفضل؛ لحديث: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْـمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْـمَكْتُوبَةَ».
– ومنهم من فصَّل؛ فذهب إلى أن من كان يحفظ القرآن ولا يخاف من الكسل ولا تختل الجماعة في المسجد بتخلفه فصلاته في الجماعة والبيت سواء، فمن فقد بعض ذلك فصلاته في الجماعة أفضل.
فإن جمعت بينهما فصليت أول الليل مع الإمام لتنال فضيلة الجماعة وآخر الليل في بيتك إن رأيت أن ذلك أجمع لقلبك وأخشع لنفسك فذلك حسن. والأمر في ذلك واسع. والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــ
(1) جاء في «المغني» من كتب الحنابلة (2/123-124): «فصل: والمختار عند أبي عبد الله ، فعلها في الجماعة، قال، في رواية يوسف بن موسى: الجماعة في التراويح أفضل».
وجاء في «المجموع» من كتب الشافعية (3/522-526): «فصلاة التراويح سنة بإجماع العلماء، ومذهبنا أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات وتجوز منفردا وجماعة، وأيهما أفضل؟ فيه وجهان مشهوران كما ذكر المصنف ، وحكاهما جماعة قولين (الصحيح) باتفاق الأصحاب أن الجماعة أفضل، وهو المنصوص في البويطي، وبه قال أكثر أصحابنا المتقدمين».
وجاء في «حاشية ابن عابدين» من كتب الحنفية (2/45): «والجماعة فيها سنة على الكفاية) في الأصح، فلو تركها أهل مسجد أثموا إلا لو ترك بعضهم، وكل ما شرع بجماعة فالمسجد فيه أفضل قاله الحلبي».