لا يخفى على فضيلتكم صدورُ قرارٍ بالجامعات المصريَّة بمَنْع دخولِ الطَّالبات الامتحانات بالنِّقاب، فقامت الطَّالباتُ بتغطية وجوههن بالكمامة الطبِّيَّة بدلًا من النِّقاب حتى يتمكَّنَّ من دخول الامتحانات، ولكن صدر قرارٌ أيضًا بمَنْع الكمامات الطبِّيَّة واعتبارِ ذلك تحايلًا على القرار، ما الحكم الشَّرْعيُّ للطَّالبات في هذه الحالة؟ هل يخلعن النِّقاب أم لا؟ برجاء التَّفْصيل في الإجابة وجزاكم اللهُ كلَّ خيرٍ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد تردَّدت أقوالُ أهل العلم في سَتْر الوجه بين كونه فريضةً أو فضيلة، أما تجريمه واستصدار القرارات بتعقُّب المنتقبات فهو أمرٌ لا عهد للأمة به، ومن تديَّنت بستر وجهها فلا تثريب عليها، بل ينبغي أن يُشادَ بها وأن تُعان على ما أخذت به نفسها من الاحتياط والعزائم، ما دامت لم تُثرِّب على السافرات، ولم تلمزهن في دينهن، وما دامت لم تمتنع من كَشْف وجهها عند إرادة التَّحقُّق من شخصيَّتها في المواقف التي تحتاج لذلك، ومنها لجان الامتحانات، أو مجالس القضاء ونحوه، فتسمح بالتَّحقُّق من شخصيَّتها لمن أُنيط به ذلك من المسئولين، وينبغي على المسئولين أن يُراعوا حُرمة التَّديُّن، وأن يُوفروا نسوةً يتولَّيْنَ التَّحقُّق من شخصيَّة المنتقبات، وهذا الذي تفعله كثيرٌ من الدُّول غير المسلمة، حيث تعتبر حريةَ التَّديُّن من الحقوق الدستوريَّة، وتوفِّر نسوةً للتَّحقُّق من شخصيَّة المنتقبات في النِّقاط الأمنيَّة كما في المطارات ونحوه، ويتمُّ ذلك بعفويَّة ودونما تجهُّم أو انقباض، وقد عِشتُ في الولايات المتحدة ما يزيد على ربع قرن فما رأيتُ بعيني تجهمَ مسئولٍ في نقاط التفتيش في وجه منتقبةٍ إلا لمامًا، وما رأيناه أو نُقل لنا من ذلك كان مواقفَ فرديَّة وتعقَّبتها الجهات المنوطة بحقوق الإنسان وأنصفت أصحابَها وألزمت الجهات التي انتهكت هذا الحقَّ بالاعتذار بل والتَّعْويض في بعض الأحيان، ولا شكَّ أن مجتمعاتِنا الإسلاميَّة أولى بهذا الإنصاف وأجدرُ بهذه المعاملة، ولكن نصيحتنا لبناتنا المنتقبات ألا يجعلن من هذا الموقف سببًا لإضاعة مجهوداتٍ دراسيَّة بذلنها عبرَ عامٍ دراسيٍّ كامل، فلا حرج عليهن في التَّرَخُّص بكشف الوجه وإن كُنَّ يعتقدن وجوبَ تغطيته دفعًا لمفسدةٍ أكبر، والأصلُ أن تُقام المصالحُ الشَّرْعيَّة الكُلِّيَّة وإن اعترض في طريقها بعضُ المصالح الجزئيَّة، ويتَّقي المسلمُ ربَّه في ذلك ما استطاع، وقد علمن أن مبنى الشَّريعة على تحقيق خير الخيرين ودَفْع شرِّ الشَّرَّيْنِ، وتبقى المسئوليَّة الشَّرْعيَّة على من ألزمهن بذلك.
وإني لأرجو أن يشرحَ اللهُ صدورهم لمراجعة هذا الموقف الغريب عن حضارتنا وعن ثقافتنا، وعن مفهوم الوسطيَّة التي ما فتئ مشايخُنا يُبشِّرون به ويدعون إليه، ومفهوم العدالة وحقوق الإنسان التي ما فتئ مُثقَّفونا يُدندنون حوله ويعقدون له النَّدَوات والمؤتمرات، ويُنشئون له الأحزاب والنِّقابات، ويُسوِّدون به أعمدةَ الصحف والمجلات. والله من وراء القصد. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.