أستاذي الفاضل، أنا طبيبة وكاتبة وداعية إسلامية، منَّ الله تعالى عليَّ منذ صغري بالالتزام بدون تأثير من أحد، كنت أقرأ وأطلع في مكتبة والدي، ولبست الخمار وأنا صغيرة بدون تأثير من أحدٍ والحمد الله، وعند دخولي الجامعة تلقَّفني من يُسَمُّون أنفسهم سلفيين وأثَّروا في أفكاري حتى أقنعوني بلبس النقاب، المهم لبسته وقلت في نفسي: إذا كان فريضة فأنا فعلتها، وإذا كان سنة أو مستحبًّا فلن أخسر.
مرَّت السنون الطوال وتزوجت وقرأت كثيرًا واطلعت على كل شيء، وقرأت كُتُبَ شيخنا الغزالي الذي كانوا يُحذروني منه وغيره من المفكرين الأفاضل، وقرأت فتاوى كثيرٍة وعرفت أن النقاب ليس فرضًا، وأنه كان على عهد الصحابة صحابيات سافرات الوجه حتى في حجة الوداع بعد التحلل من الإحرام.
كما أني أشعر أن النقاب يمنعني من التواصل مع الغير، على سبيل المثال كثيرًا ما أرى طفلًا أو امرأة طيبة أريد أن أتبسَّم في وجهها فلا أستطيع أن أوصل مشاعري لها، وأشعر أن النقاب حاجز بيني وبين العالم، خاصة أنه أضعف من ثقتي بنفسي في التعامل مع الناس، فأنا أشعر أني أتمسَّك بشيء ليس من الدين ويضر الدين.
ولكن عندي مشكلتان: الأولى أني لا أستطيع خلعه وأشعر أني غير مرتاحة عندما أخلعه، والمشكلة الثانية هي نظرة الناس، خاصة أن أخواتي البنات يرتدينه ومعظم عائلتي.
فكَّرت في خلعه في البلد الذي أعيش فيه خارج مصر، خاصة أنه بلد فيه كلُّ واحد في حاله ولا أحدٌ يضايق أحدًا أو ينظر إليه، وبلد أمان، وأرتديه في مصر فقط.
الحقيقة أني أفكر كثيرًا في هذا الموضوع لدرجة أني سأُجن ولا أدري ماذا أفعل، غير مقتنعة به وفي نفس الوقت لا أستطيع خلعه، ماذا أفعل؟ أفادكم الله وجزاكم الله خيرًا وأعتذر عن الإطالة عليكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد ترددت أقوال أهل العلم في النقاب بين كونه فريضة أو فضيلة، أما القول بأنه محدث وأنه ليس من الدين أو أنه يضر بالدين فذلك قولكم بأفواهكم، وهو قول ليس بصحيح، فإن لدى من قال بوجوبه أدلة كثيرة إن لم نقل برجحانها فإنها على الأقل تجعل هذا القول قولًا مُعتبَرًا يجوز التدين به، ولا يجوز شنُّ الغارة عليه أو القول بأنه قول يضر بالدين ويُلحق بالدين ما ليس منه.
أنت يا بنيتي بالخيار: إن ترجح لديك عدم وجوبه بناء على نظرٍ مُعتبَر أو تقليد سائغ أمكنك خلعه اتقاءً لما تتعرضين له من حرج بسببه.
واحذري أن تتهمي القائلين بوجوبه في دينهم أو في فقههم، وإن قويت على إبقائه كان أرضى لربك وأبرأ لذمتك. والله تعالى أعلى وأعلم.