آسفة جدًّا، لكنك لم تجبني على هذا الأمر:
١- هل الولي الذي لا يصلي أبدًا اتُّفق على أنه كافر أم أنه رأي من الآراء؟ المقصود الذي لا يصلي أبدًا مع إقراره بوجوب الصلاة وفرضيتها ولم يصلِّ أبدًا ركعة واحدة؟
٢- إذا نطق أبي بكلمات كفرية خلال المشادة بيننا وكان غاضبًا، وحين غضبه ينطق كلامًا أو سبابًا كفريًّا؛ سب الذات الإلهية مثلًا، لكن ذلك كان خلال الغضب دون أن تكون هناك نية أن يكفر أو يرتد فهل يكون كافرًا؟
أنا أرى الكثيرين يقعون في مثل هذا الأمر، وصراحة أبي تشاجر معي قبل تزويجي بيوم وقال كلمات كفرية، لكن لم يقصدها؛ لأنه كان غاضبًا جدًّا، وأجرى عملية جراحية في القلب لشدة غضبه- فهل يكون كافرًا، مع العلم بأني غير متأكدة من أنه صلى الفجر حين تزويجي أو ما إذا كان قد تاب واستغفر من الكلمات الكفرية التي قالها وهو غاضب؟
الرسول يقول: «لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ»، فهل يحاسب الله على نطق الكفر في حالة غضب أو إغلاق دون نية انتقاص الرب ودون إيمان بما ينطقه؟
ولأبي عادة سيئة هي نطق الكفر حين غضبه، ودائمًا ما أطلب منه الاستغفار، فهل يكون كافرًا بذلك؟ وهل يستلزم النطق بالشهادتين لدخول الإسلام قبل عقد الزواج؟
ما حكم من عادته إطلاق كلمات كفرية دون أن يكون لديه نية الكفر أو الارتداد بل فقط يقولها دون قصد وينسى الاستغفار منها، ولكنها صدرت منه دون نية الكفر أو الارتداد أو تصدر منه كعادة غضب ليس إلا؟ وقد خجلت أن أطلب من أبي أن يذكر الشهادتين قبل عقد النكاح، فما حكم ذلك؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فيؤسفني أن ألاحظ أن حالتك من الوساوس متقدمة جدًّا، فهي تحجبك حتى عن القراءة الدقيقة، تسألين هل من ترك الصلاة بالكلية يعد كافرًا بالإجماع؟ وقد قلت لك في صلب الفتوى أن هذا هو قول بعض أهل العلم فكيف جعلت من هذا البعض إجماعًا؟!
لقد ذكرت لك أن بعض أهل العلم قد فرق بين الترك المطلق ومطلق الترك واعتبر الترك المطلق كفرًا، ولا أدري كيف تحول هذا البعض عندك إلى إجماع؟! وما علاقة هذا بقضيتك؟ ووالدك لم يترك الصلاة بالكلية، بل يصلي الفجر يوميًّا؟!
وما صدر من الشخص من كلمات كفرية في حالة الغضب لا يؤاخذ عليها إذا كان الغضب قد بلغ به مبلغ الإغلاق، أي إذا استبد به الغضب فأصبح لا يدري ما يقول، ولا يستطيع إمساك لسانه عن الانفلات بمثل هذه العبارات القبيحة، ويأثم من يعرف عنه هذا، ثم يضيق عليه، إلى أن يحمله عل قول مثل هذه الألفاظ الكفرية، خاصة إذا كان من أولاده وأمس الناس به رحمًا، وأولاهم برًّا به، ورحمة له.
وعند الشك في درجة الغضب تحمل على الدرجة التي تنفي عنه الكفر، حملًا لأحوال المسلم على السلامة، فإن المسلم إذا ارتكب فعلًا يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجهًا، وكان يحتمل عدم الكفر من وجه واحد، فينبغي حمل قوله على هذا الأخير؛ ولأن من ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، ويشجع دائمًا على الاستغفار، ليس فقط في أوقات الغضب والفتنة، بل في أوقات الهدوء والعافية؛ حيث يكون في هدوء نفسي يمكنه من قبول النصيحة والانتفاع به.
ثم إنني أراك تركزين على نية الردة، وقد نصحتك بشأنها، وضربت لك الأمثال، ولكن لا تحبون الناصحين!
وفي باب سب الدين يا بنيتي يفرق بين من قصد الدِّين المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ومن سب تدين الشخص وحاله، فالأول هو الكفر، والثاني سب للمسلم فهو فسوق، كما جاء في الحديث «سِبَابُ الْـمُسْلِمِ فُسُوقٌ»([1]).
ومن سب الدين لأحد من غير المسلمين، وقصد به الدين المحرف الذي يدين به، من عبادة غير الله، ونسبة الولد إلى الله، ليس كمن قصد سب أصل الدين المنزل على عيسى أو موسى عليهما السلام، فالأول ليس كفرًا، ولكن يعزر فاعله لإيذائه ذميًّا تعبَّدَه الله جل وعلا بعدم إيذائه، والأصل في علاقتنا بأهل ذمتنا إقرارهم وما يدينون.
كما يفرق في هذا الباب بين توصيف الأفعال وإجراء الحكم على الأعيان، فالفعل قد يكون في ذاته كفرًا لا ريب فيه، ويكون المتلبس به متهمًا بالردة، ولكي تحول التهمة إلى إدانة لابد من تحقق شروط التكفير وانتفاء موانعه.
وإن بقيت لك بقية بعد هذا البيان فراجعي في شأنك بعضَ أهل العلم المحليين، فهو أقدر على الاستماع المباشر إليك، والتحاور المباشر معك، ثم يفتيك بما أراه الله.
اللهم اربط على قلب أَمَتِكَ هذه، وألهمها رشدها، وخذ بناصيتها إلى ما تحب ربي وترضى. والله تعالى أعلى وأعلم.
________________
([1]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «ما ينهى من السباب واللعن» حديث (6044)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» حديث (64)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.