جزاكم الله عنا كلَّ خير. لقد أرسلت سؤالي بالإنجليزية البارحة لمشكلة في الطباعة بالعربية، وهأنا أبعثه بالعربية الآن عندما سنحت الفرصة.
نحن نعيش في ولايةٍ جنوب أمريكا ، جاليتنا المسلمة ليست كبيرةً، ليس لنا إمام، مسجد بلا إمام، يحضر صلاة الجمعة حوالي مائتي شخص، ولكن في الصَّلَوات اليومية بالكاد عشرة أشخاص يحضرون.
المشكلة هنا أن إدارة المسجد يؤخرون الصَّلاة ساعات عن موعدها، وضعوا جدولًا بمواعيد غير حقيقية للصلاة يجب أن نلتزم بها، على سبيل المثال صلاة الظهر في الجدول الحقيقي الساعة الحادية عشرة ونصف، ولكننا نُصلِّيها في الساعة الواحدة، وهكذا العصر والعشاء.
نحن- عائلتي- نحاول أن نصلي كل الصَّلَوات في المسجد، حاولنا معهم ليجعلوا الصَّلَوات في أوقاتها ولكن من دون جدوى، قال لهم زوجي: سوف أصليها في أوقاتها مع زوجتي وأبنائي وبناتي في المسجد، ولكنهم قالوا له: إنك تصنع فتنة هكذا.
هل الصَّلاة في وقتها فتنة؟ هل يجوز لنا تأخير الصَّلاة كلَّ هذا الوقت بدعوى أن النَّاس في أشغالهم؟ أرجوكم أن تُفتوني في هذا الأمر، فقد وعدهم زوجي أن يُحضر لهم فتوى؛ لأننا مقتنعون أن تأخير الصَّلاة كلَّ هذا الوقت حرام. جزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الصَّلاة واجب مُوسَّع، ويُمكن إيقاعها في أيِّ جزءٍ من أجزاء الوقت، ولكن المبادرة إلى إقامتها في أول وقتها أفضل، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيُّ العمل أفضل؟ قال: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا». قلت: ثم أيُّ؟ قال: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ». قلت: ثم أيُّ؟ قال: «الْـجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله».
ومما جاء في مواقيت الصَّلاة حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ. وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. وَوَقْتُ صَلَاةِ الْـمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نَصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ»(1).
وقد جاء جبريل وعلَّم النبيَّ صلى الله عليه وسلم مواقيت الصَّلاة، فصلى به أولًا في أول وقتِ كلِّ صلاةٍ، ثم صلى به بعد ذلك في آخر الوقت، ثم قال له: «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ»(2).
والذي يحرم في باب المواقيت هو تأخير الصَّلاة حتى يخرج وقتها الاختياري ويدخل وقت الضَّرورة، ومن بابٍ أولى تأخيرُها حتى يخرج وقتها بالكلية، أما إيقاعها في أيِّ جزء من أجزاء الوقت الاختياري فهو مشروع.
فالصَّلاة من الواجبات المُوسَّعة، وينبغي على المسلمين أن يأتمروا بينهم في ذلك بمعروفٍ، وأن يُسلِّموا للجهة التي فوَّضوا إليها القيام على شئون المسجد باجتهادها، وألا يُنازعوها في ذلك إلا إذا حدث خروجٌ صريح عن ثوابت الشَّريعة.
ومُقامنا خارج ديار الإسلام لا يحتمل التشرذم والتنازع، فاتقوا الله وأصلحوا ذاتَ بينِكم(3)، وإياكم وفساد ذات البين؛ فإنها الحالقة، ألا لا أقول تحلق الشعر، ولكنها تحلق الدِّين(4).
ولا ينبغي أن يُؤدِّي الحرص على الأفضل إلى تمزيق وشائج الأخوة وتقطيع أواصر المودة بين أهل القبلة خارج ديار المسلمين.
وفَّقنا الله وإياكم إلى ما يُحِبُّه ويرضاه. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» باب «أوقات الصلاة الخمس» حديث (612).
(2) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (1/333) حديث (3081)، وأبو داود في كتاب «الصلاة» باب «في المواقيت» حديث (393)، والترمذي في كتاب «الصلاة» باب «ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم » حديث (149)، من حديث ابن عباسٍ ب عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْـمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ، وَصَلَّى فِي الْـمَرَّةِ الثَّانِيَةِ الظُّهْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْـمَغْرِبَ لِوَقْتِ الْأُولَى، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتِ الْأَرْضُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
(3) قال تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» [الأنفال: 1].
(4) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (6/444) حديث (27548)، وأبو داود في كتاب «الأدب» باب «في إصلاح ذات البين» حديث (4919)، والترمذي في كتاب «صفة القيامة والرقائق والورع» باب «ما جاء في صفة أواني الحوض» حديث (2509) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ». قالوا: بلى. قال: «صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْـحَالِقَةُ». وقال الترمذي: هذا حديث صحيح، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هِيَ الْـحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ».