أنا أقيم حاليًا ببلد أوربي. وقد وفقني الله للانتقال إلى جوار مسجد أؤدي فيه الصلوات الخمس ولله الحمد والمنة، يؤم هذا المسجد إمامان تخرجا في المدارس «الديوبندية» حيث درسا العقائد «الماتريدية» لاسيما العقائد «النسفية». والحق أنني كنت أصلي خلفهما دون سؤال عن عقائدهما على اعتبار أن ذلك هو من التنطع المنهي عنه، وأن الصلاة جائزة خلف كل مسلم مستور الحال، لكن أعرف أحد طلبة العلم ممن كان يصلي معنا في المسجد ثم تغيَّب عن الحضور ولما سألته عن عدم صلاته قال إنه تبين له أن هذين الإمامين يقولان بأن الله في كل مكان بذاته لا بعلمه، ولما ناقش أحدهما انبرى له بالقول إن هذا هو القول الصائب، وذكر له بعضًا ممن قال بذلك. وأيضًا هذا الذي درسه هو في المدرسة «الديوبندية». ولم يصلا إلى نتيجة. والحق أنني أصبحت في حرج كبير، فتَرْكُ الصلاة في هذا المسجد القريب من البيت لها كثير من المساوئ مثل: عدم وجود مسجد آخر قريب أصلي فيه بالإضافة إلى إساءة الناس الظن بي حيث أعتبر من رُوَّاد المسجد المعروفين ويستحيل إخبارهم بسبب التغيب عن المسجد لأن ذلك سوف يسبب فتنة كبيرة بدون شك لاسيما أن المسجد يؤمه الكثير من الجنسيات المختلفة. وعلى الجانب الآخر فإن الصلاة خلف مَن يعتقد أن الله في كل مكان أرى فيها حرج كبير والله أعلم. وأخيرًا أحب أن أنبه إلى أن كِلَا الإمامين لا يعلمان أنني أعلم اعتقادهما في هذه المسألة ولست مستعدًّا لفتح نقاش معهما لأن ذلك سوف يسبب مشاكل لي وللأخ طالب العلم. فما هو جوابكم وفقكم الله؟ وماذا يقرأ المصلي في الركعتين الثالثة والرابعة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
كل مَن صحت صلاته لنفسه صحت صلاته لغيره، وتصح صلاة المسلم لنفسه ما لم يتلبس بناقض جَلِيٍّ من نواقض الإسلام يُخرجه من الملة بلا نزاع، وترك الصلاة خلف المبتدعة أو الفسقة من جنس الاحتساب عليهم والتحذير من فتنتهم وليس بسبب بطلان الصلاة في ذاتها، والسلف لم يكفروا أعيان الجهمية وإن قالوا عن بعض عقائدهم إنها من الكفر أو الشرك، وعلى هذا فإذا أمكن ترك الصلاة خلف المبتدعة بغير مفسدة راجحة فينبغي أن يُصار إلى ذلك صيانةً للسنة وزجرًا للمبتدع وزجرًا للعامة، وإن لم يتيسر ذلك لعدم القدرة على عزلهم بغير مفسدة راجحة، ولعدم وجود مسجد بديل قريب، وكان البديل هو ترك الجمع والجماعات والصلاة في البيوت، فلا يجوز ترك الجمع والجماعات بسبب ذلك؛ فإنه يكون- والحال كذلك- من فعل أهل البدع؛ ذلك لأن الصلاة أحسن ما يفعل الناس فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم، أما القراءة في الثالثة والرابعة فإنها تكون بأم الكتاب. والله تعالى أعلى وأعلم.