هل الرُّعَاف يُبطل الوضوء والصَّلاة؛ حيث يحدث الرُّعَاف لديَّ أحيانًا أثناء الصَّلاة. هل أقطع الصَّلاة للوضوء من جديد، أم أستمر في الصَّلاة؟
أفيدونا في هذا السُّؤال، وجزاكم اللهُ خير الجزاء على جهدكم للردِّ على جميع الإشكاليات التي يتعرض لها إخوانكم الـمُسلِمون.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد اختلف أهل العِلْم في هذه المسألة، فمنهم من ذهب إلى انتقاض الوضوء والصَّلاة بالرُّعَاف، ومنهم من ذهب إلى انتقاض الوضوء دون الصَّلاة.
فينفلت من صلاته ليتوضَّأ، ولكنه يبني على صلاته، ومنهم من ذهب إلى عدم انتقاض وضوئه ولا صلاته، إلا إذا تفاحش وعجز عن استيعابه.
وصفوة القول: أن من رعف في صلاته انفلت من صلاته فتوضأ ثم بنى على صلاته؛ لحديث: «الْقَيْءُ وَالرُّعَافُ لَا يَنْقُضَانِ الصَّلَاةَ، فَإِذَا انْفَلَتَ الْـمُصَلِّي بِهِمَا تَوَضَّأَ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ»(1).
ولعلَّ هذا الحديثَ أصحُّ ما قيل في هذا الباب، وإن كان الجمهور على خلاف ذلك، حيث يرون تجديد الوضوء واستئناف الصلاة(2)، والأخذ بما ذكرنا أقعد، وبما ذهب إليه الجمهور أحوط. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) أخرجه الربيع في «مسنده» ص59 حديث (113).
(2) جاء في «بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (1/220): «وأما بيان ما يفسد الصلاة، فالمفسد لها أنواع، منها: الحدث العمد قبل تمام أركانها بلا خلاف حتى يمتنع عليه البناء، واختلف في الحدث السابق وهو الذي سبقه من غير قصد، وهو ما يخرج من بدنه من بول أو غائط أو ريح أو رعاف أو دم سائل من جرح أو دمل به بغير صنعه. قال أصحابنا: لا يفسد الصلاة فيجوز البناء استحسانا».
وفي «الفواكه الدواني» (1/244-246): «(و) إذا خرج الراعف لغسل الدم مع الشروط المتقدمة (لا يبني على ركعة لم تتم بسجدتيها) قبل رعافه (وليلغها) أي لا يعتد بشيء من أجزائها، وإنما يبني على ركعة تامة، وتمامها يكون الجلوس إن كان يقوم منها للجلوس، ويكون بالقيام إن كان يقوم منها للقيام، فلو ركع وسجد السجدتين ثم قبل الجلوس أو القيام رعف فلا يعتد بتلك الركعة، ويبتدئ القراءة من أولها بانيًا على الإحرام إن كان الرعاف حصل في الركعة الأولى، أو على الركعة الكاملة السابقة على الملغية إن كان الرعاف في غير الأولى، فالمصنف أطلق البناء على الاعتداد، فمعنى قوله: لا يبني على ركعة لم تتم لا يعتد بقرينة قوله: وليلغها فلا ينافي أنه يبني ولو على الإحرام، ولذا قال خليل: وإذا بنى لم يعتد إلا بركعة كملت، وقد ذكرنا ما به الكمال على ما حققه العلامة الأجهوري في شرح خليل».
وقال ابن رشد في «بداية المجتهد» (1/189-190): «وهاهنا مسائل تتعلق بهذا الباب خارجة عما ذكر من فروض الصلاة اختلفوا فيها فمنها: أنهم اتفقوا على أن الحدث يقطع الصلاة، واختلفوا هل يقتضي الإعادة من أولها إذا كان قد ذهب منها ركعة أو ركعتان قبل طرو الحدث أم يبني على ما قد مضى من الصلاة، فذهب الجمهور إلى أنه لا يبني لا في حدث، ولا في غيره مما يقطع الصلاة إلا في الرعاف فقط. ومنهم مَن رأى أنه لا يبني لا في الحدث ولا في الرعاف، وهو الشافعي، وذهب الكوفيون إلى أنه يبني في الأحداث كلها».