فضيلة الشيخ أستاذنا الفاضل.
لي عندك أسئلة، أستحلفك بالله وبكل غالٍ عندك أجب على السؤال الأول.
أنا عملت استخارة، ونمت بعد صلاة الفجر على طهارة كاملة، وبعد سبعة أيامٍ من الاستخارات، وفي هذه الليلة (صباح عيد الأضحى المبارك، يوم التروية، في عيد الأضحى السابق لهذا العيد)، رأيت إجابة للاستخارة في منامي.
لم أقتنع، فعملت استخارة أخرى، ورأيت الإجابة أيضًا عن استخارتي، ولكن بصورة أخرى تجيب عن استخارتي.
لم أقتنع، فعملت للمرة الثالثة، وحدثت نفس النتيجة.
هل هذه الاستخارة ملزمة لي ويجب عليَّ أن أنفذها؟
علمًا بأن كلَّ مَن أسأله يقول لي: يحتمل أن يكون هناك شيطان يوسوس لك، وهناك آراء أخرى لأئمة مساجد أكدوا لي بأنها صادقة.
أجب عليَّ؛ لأنها تؤرقني، وأعيش في عذاب بسببها. أنتظر منك إنقاذي بردٍّ من واقع شرع الله وسنة رسول الله.
سؤالٌ عن صلاة الحاجة: أنا قرأت على الإنترنت آراء فقهية كثيرة عنها، أغلبها أجمع على أنه لا يوجد صلاة اسمها قضاء الحاجة، وهناك آراء أكدتها.
ما عدد ركعاتها؟ وكيفية صلاتها؟ وماذا أقرأ فيها؟ برجاء الرد علي.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن السنة في صلاة الاستخارة أن المرء إذا همَّ بالأمر فإنه يركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يمضي لما همَّ به؛ فإن كان خيرًا يسَّره الله، وإن كانت الأخرى صرفه(1)، هكذا بهذه البساطة والسلاسة واليسر.
وليس هناك ارتباط حتمي بين الاستخارة والرؤيا، لكن إن جاءت رؤيا فالحمد لله لعلها أن تكون من المبشرات، أو مما يزداد به الأمر جلاء وبيانًا، بارك الله فيك.
أما صلاة قضاء الحاجة ففي مشروعيتها نظر بين أهل العلم؛ لاختلافهم في صحة الحديث الوارد فيها: فمَن صحَّحه أثبتها، ومن ضعفه لم يثبتها.
والحديث هو ما ورد في سنن الترمذي وابن ماجه وغيرهما، من حديث عبد الله بن أبي أوفى: أن النبيَّ ﷺ قال: «مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى الله تَعَالَى أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى الله ، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ لِيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْـحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْـحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، لَا تَدَعَ لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»(2). زاد ابن ماجه في روايته: «ثُمَّ يَسْأَلُ اللهَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا شَاءَ؛ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ»(3).
فهذه الصلاة بهذه الصورة سماها أهل العلم صلاة الحاجة.
فمن لم يَرَ منهم جواز العمل بها؛ لعدم ثبوت هذا الحديث عنده؛ لأن في سنده فائد بن عبد الرحمن الكوفي الراوي عن عبد الله بن أبي أوفى، وهو متروك عندهم.
أما من رأى جواز العمل بها؛ فلما رُوي أن لهذا الحديث طرقًا وشواهد يتقوى بها، وفائد عندهم يكتب حديثه، فضلًا عن كون الحديث في فضائل الأعمال، وفضائل الأعمال يُعمَل فيها بالحديث الضعيف إذا اندرج تحت أصلٍ ثابت ولم يُعارَض بما هو أصح.
ولعل هذا الرأي أرجح وأظهر. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) فقد أخرج البخاري في كتاب «الدعوات» باب «الدعاء عند الاستخارة» حديث (1166) من حديث جابر بن عبد الله ب قال: كان النبي ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن: إذا همَّ بالأمر فليركع ركعتين ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب؛ اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال في عاجل أمري وآجله- فاقدره لي. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به. ويسمي حاجته.
(2) أخرجه الترمذي في كتاب «الصلاة» باب «ما جاء في صلاة الحاجة» حديث (479)، وابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب «ما جاء في صلاة الحاجة» حديث (1384)، والحاكم في «مستدركه» (1/466) حديث (1199). وقال التِّرمذي: «هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وفي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ؛ فَائِدُ بن عبد الرحمن يُضَعَّفُ في الحديث»، وقال الحاكم: «فائد بن عبد الرحمن أبو الورقاء كوفي عداده في التابعين، وقد رأيت جماعة من أعقابه، وهو مستقيم الحديث، إلا أن الشيخين لم يُخرجا عنه وإنما جعلت حديثه هذا شاهدًا».
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة» باب «ما جاء في صلاة الحاجة» حديث (1348) من حديث عبد الله بن أبي أوفى ، وذكره الألباني في «ضعيف سنن ابن ماجه» (1348).