شيخنا الفاضل، بوركت ونفعنا الله بعلمك وكفاك الله شرَّ كلِّ ذي شر. آمين.
تمر ببعض ولايات أمريكا في هذه الأيام شدة وقحط بسبب عدم نزول الأمطار أو قلتها، فهل يجوز أن تُصلَّى صلاة الاستسقاء في هذه البلاد؟
وإذا كان ذلك جائزًا فلماذا لا ندعو إلى صلاة الاستسقاء في كل المراكز الإسلامية ونستخدمها كوسيلة دعوية لعل الله أن يهدي بعض الناس بسبب ذلك؟ وقد تكون فتنة وابتلاء. فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يظهر لي حرج من حيث المبدأ في الخروج لصلاة الاستسقاء خارج ديار الإسلام، بل ولا حرج أن يشهدها غير المسلمين يُؤمِّنون معهم على دعائهم، فقد أجاز الإمام مالك بن أنس(1) وأحمد بن حنبل(2) أن يخرج أهل الذمة مع المسلمين في الاستسقاء ليؤمنوا على الدعاء.
ولا ينبغي منعُهم إذا طلبوا الخروج مع المسلمين؛ لأنهم يطلبون- كما يقول ابن قدامة في «المغني»-: أرزاقهم من ربهم سبحانه(3). ولا يبعد أن يجيبهم الله؛ لأن الله ضمن أرزاقهم كما ضمن أرزاق المؤمنين.
فربوبية الله تعالى تشمل عباده جميعًا بَرَّهم وفَاجِرَهم، وبمقتضاها يرزقهم، ويجيب دعاء المضطر منهم؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: 6].
وقد أخبرنا القرآن الكريم أن الكفار يخلصون الدعاء لله عند الشدائد، وأن الله جل وعلا يُجيبهم، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت: 65].
فإخلاص الدعاء لله عند الشدائد ليس خاصًّا بأهل الإيمان وحدهم، بل هو مشترك بشري، ولكن الفرق أن أهل الإيمان يخلصون في الشدة والرخاء، أما غيرهم فلا يعرفون الله إلا في أوقات الشدائد، كما قال ربي جل وعلا: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65].
ولكن ينبغي تقديم الأمر مقرونًا بشرطه من الإخلاص في الدعاء، ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [يونس: 22]، فإذا لم تحدث الإجابة عرف أن مرد ذلك إلى افتقاد الإخلاص أو ضعفه، فيكون معك التفسير الذي تردُّ به على المرتابين والذين في قلوبهم مرض.
ولا أرى تعميم هذا الأمر على جميع المراكز الإسلامية، بل يُترك تقدير ذلك إلى هذه المراكز، ليكون قرارهم مبنيًّا على علمهم بمقتضى الحال في جالياتهم. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) جاء في «التاج والإكليل» (2/592-598): «( ولا يمنع ذمي ) من المدونة : لا يمنع أهل الكتاب من الاستسقاء».
(2) جاء في «شرح منتهى الإرادات» (1/335): «( ولا نمنع أهل الذمة ) من الخروج للاستسقاء لأنه لطلب الرزق والله تعالى ضمن أرزاقهم كأرزاقنا ( إن أرادوا ) الخروج ( منفردين ) بمكان لئلا يصيبهم عذاب فيعم من حضرهم».
(3) «المغني» (2/328).