ما حكم التحلُّق يوم الجمعة لدرس علم ونحوه؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد في «مسنده» عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: نهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تُنْشَدَ فيه الأشعارُ، وأن تُنشدَ فيه الضَّالَّةُ، وعن الحِلَقِ يومَ الجمعة قبل الصلاة(1).
وقد استدلَّ كثيرٌ من أهل العلم بهذا الحديث على النهي عن التحَلُّقِ للدرس يوم الجمعة قبل الصلاة، قال البغوي في «شرح السنة»: «وفي الحديث كراهية التحَلُّق والاجتماع يومَ الجمعة قبل الصلاة لمذاكرة العلم، بل يشتغل بالذكر والصلاة، والإنصات للخطبة، ثم لا بأس بالاجتماع والتحلُّق بعد الصلاة في المسجد وغيره»(2).
ووجهُ النهيِ ما فيه من تضييقٍ على المصَلِّين وقطعٍ للصفوف وهم مأمورون بالتراصِّ، وما يتضمنه من شَغلِ المصلين عما يُريدونه من الذِّكر أو التنَفُّل أو قراءة القرآن ونحوه.
ولا حرج في التحلُّق للدرس بعد الفجر؛ لأن النهي متعلِّق ببدء الرَّواح إلى صلاة الجمعة، وهذا- في الأعم، الأغلب- يكون بعد شروق الشمس.
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن النهي عن التحلُّق يومَ الجمعة، هل يقصد به قبل الصلاة مباشرة أو بعد صلاة الفجر؟
فأجاب فضيلته بقوله: «الظاهر أن التحلُّق قبل أن يحضر الناس إلى المسجد لا بأس به، وإنما نهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن التحلُّق، لئلا يضيِّقوا على الناس الذين يأتون إلى الصلاة، وغالبًا بعد الفجر لا يوجد ناس».
وقد جرت العادة أن أغلب المساجد تغلق أبوابها بعد فجر الجمعة، ثم تفتح مرة أخرى قبل الصلاة بساعات معدودة، لاستقبال توافد المصلين من أجل صلاة الجمعة، فمن هنا يبدأ النهي.
أما بعد الجمعة فلا حرج في التحلُّق لدرسٍ وغيره، إذ لا يُعلَم أن أحدًا من العلماء منع من حلق العلم، بل هي عادة طائفة من أهل العلم قديمًا وحديثًا، أن يعقدوا مجالس علم بعد صلاة الجمعة أو بعد عصر الجمعة. قال الخطابي في «معالم السنن»: «وإنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم والمذاكرة، وأمر أن يشتغل بالصلاة وينصت للخطبة والذكر، فإذا فرغ منها كان الاجتماع والتحلُّق بعد ذلك»(3).
وقد سبق قول البغوي في «شرح السنة»: «ثم لا بأس بالاجتماع والتحلُّق بعد الصلاة في المسجد وغيره». والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/179) حديث (6676)، وأبو داود في كتاب «الصلاة» باب «التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة» حديث (1079)، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1079).
(2) «شرح السنة» (3/ 374).
(3) «عون المعبود» (3/ 294).