سائلة تسأل عن حكم اتخاذ الكلب داخلَ البيت وخارجَه لمصاحبةِ ابنها الصغير المصاب بالصرع وعنده تأخر في النمو والكلام. تقول أنها جربت قطة ولكن لم يَستجِبْ طفلُها. أفتونا مأجورين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل هو المنع من اقتناء الكلب- إلا لضرورة أو حاجة بيِّنة، كما لو كان للحراسة أو الصيد- وأن الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه الكلب، وأن اتخاذ الكلب ينقص من عمل صاحبه كل يوم قيراطًا أو قيراطين، وفي الباب نصوص كثيرة صحيحة وصريحة نذكر منها:
1- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَدْخُلُ الْـمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ»(1).
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أمْسَكَ كَلْبًا فَإنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أوْ مَاشِيَةٍ»(2).
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أوْ صَيْدٍ أوْ زَرْعٍ انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ»(3).
4- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ ضَارِيًا(4) نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ»(5).
ولمسلم عن ابن عمر أيضًا: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ زَرْعٍ أوْ غَنَمٍ أوْ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ»(6).
ودلالة هذه الأحاديث على التحريم دلالةٌ ظاهرة، لأنَّ نُقصان الأجر لا يكون إلا لمعصيةٍ ارتكبها المـُقتني، وسبب نقصان الأجر كما قال الحافظ ابن حجر: «قيل: لامتناع الملائكة مِن دخول بيته. وقيل: لما يلحق المارِّين مِن الأذى. وقيل: لأنَّ بعضها شياطين. وقيل: عقوبة لمخالفة النهي. وقيل: لولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها، فربما يتنجس الطاهر منها، فإذا استعمل في العبادة لم يقع موقع الطهارة»(7). ا هـ.
ولكن هذا المنع معقولُ المعنى فيقاس عليه ما كان من جنس الحاجات التي استثنتها الأحاديث، كحراسة الدُّور، أو قيادةُ العميان، أو اكتشاف المخدرات أو المجرمين ونحوه، والحكم يَدُور مع عِلَّتِه وجودًا وعدمًا، فإذا وُجدت المصلحة جاز الاتخاذ.
وقد يكون بعضُ المصالح الأخرى أهمَّ وأعظمَ مِن مصلحة الزرع، وبعضها مساوٍ لما نصَّ عليه الشارع، ولا شك أنَّ الثمارَ هي في معنى الزرع، والبقرَ في معنى الغنم، ولا شك أنَّ خوفَ اللصوص على النَّفس، واتخاذَه للإنذار بـهم واتقاءَ غوائلهم أعظمُ مصلحة من ذلك، والشرع مداره على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، حتى قال ابن عبد البر: «وفي معنى هذا الحديث- أي: حديث ابن عمر- تدخل- عندي- إباحةُ اقتناء الكلاب للمنافع كلها ودفع المضار إذا احتاج الإنسان إلى ذلك»(8). اهـ.
وقال الإمام النووي: «اختلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة كحفظ الدُّور والدُّروب، والراجح: جوازه قياسًا على الثلاثة عملًا بالعلَّة المفهومة من الحديث وهي: الحاجة»(8). اهـ.
وقد سئل الشيخ ابنُ عثيمين: وهل يجوز اقتناء الكلب للدلالة على المخدرات أو لاكتشاف السارق؟
فأجاب: لا بأس بذلك وهو أولى من الحرث والصيد(9). اهـ.
ومن اللطائف في هذا الباب قول ابن قدامة رحمه الله: «ومَن اقتنى كلبًا ثم ترك الصيدَ مدةً وهو يريد العود إليه لم يحرم اقتناؤه في مدة تركِه؛ لأنَّ ذلك لا يمكن التحرُّز منه، وكذلك لو حصد صاحبُ الزرع زرعَه أبيح له إمساك الكلب إلى أن يزرع زرعا آخر، ولو هلكت ماشيته فأراد شراء غيرها فله إمساك كلبها لينتفع به في التي يشتريها»(10).اهـ. والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________________
(1) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «بدء الخلق» باب «ذكر الملائكة» حديث (3225)، ومسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «تحريم تصوير صورة الحيوان» حديث (2106) من حديث أبي طلحة رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاري في كتاب «المزارعة» باب «اقتناء الكلب للحرث» حديث (2322).
(3) أخرجه مسلم في كتاب «المساقاة» باب «الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك» حديث (1575).
(4) «الضاري من الكلاب: ما يهيج بالصيد. قال الحافظ: ضار الكلب وأضراه صاحبه: أي: عوده وأغراه بالصيد» «تحفة الأحوذي» (5/54).
(5) أخرجه البخاري في كتاب «الذبائح والصيد» باب «من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيد أو ماشية» حديث (5481).
(6) أخرجه مسلم في كتاب «المساقاة» باب «الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك» حديث (1574).
(7) «فتح الباري» (5/7).
(8) «التمهيد» (14/219).
(9) «شرح النووي على صحيح مسلم» (3/186).
(10) «شرح زاد المستقنع باب الوصايا».