هل يجوز إخراج زكاة المال في صورة ملابس أو أطعمة أو أدوية أو غير ذلك من الأشياء العينية، أم أنها يلزم أن تخرج من جنس المزكى، فالمال يخرج مالًا والأنعام تخرج في صورة أنعام وهكذا؟
ففي حالة باكستان مثلًا أفتى بعض العلماء بجواز إخراج زكاة المال لأهلها نظرًا لفاقتهم الشَّديدة من جراء ما لحق بهم، ولكن معظم التبرعات تكون عن طريق منظمات خيرية عادةً ما توزع الأموال في صورة عينية كملابس أو أطعمة وغير ذلك، ولهذا لزم الاستيضاح، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل في زكاة المال أن تخرجها مالًا، ثم يتولى الفقير تدبير شئونه بعد ذلك، فيستخدم المال حيث أراد، ولا ينبغي أن نفرض عليه أطعمة أو ألبسة أو أدوية قد يحتاج بعضَها وقد لا يحتاج إلى بعضها الآخر، وإن تَعْجب فعجب من قوم يأتون إلى صدقة الفطر التي فرضتها الشَّريعة طعامًا فيقولون النُّقود أنفع للفقير وأقوم بمصالحه، ثم يأتون إلى زكاة المال التي فرضتها الشَّريعة مالًا، فيقولون إن الأشياء العينية أنفع للفقير.
ومن هنا جاءت فكرة «شنطة رمضان»، وغير رمضان، والأولى أن نقف حيث أوقفنا الله ورسوله، فالأصل في زكاة الفطر أن نخرجها طعامًا كما فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا إذا ظهرت مصلحة الفقير ظهورًا بيِّنا في مناط معين أن المال أنفع له وأقوم بمصالحه، فعندئذ يمكن العدول إلى المال تحقيقًا لمصلحته، وقد عهد في الشَّريعة العدول إلى القيمة عندما تكون أنفع للفقراء والمساكين، وقد أخذ معاذ بن جبل من أهل اليمن ألبسة مكان الحبوب؛ لأن هذا أيسر عليهم وأنفع لأصحاب رسول الله في المدينة، فقد قال لهم صلى الله عليه وسلم : «ائتوني بعرض ثياب؛ خميص أو لبيس(1) بالصدقة، مكان الشعير والذرة أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي ﷺ بالمدينة».
ومثل ذلك يقال في زكاة المال، فإن الأصل إخراجها مالًا، إلا إذا ظهرت مصلحة الفقير ظهورًا بيِّنًا في إخراجها مواد إغاثية عينية، كما يحدث في ساحات الكوارث والنوازل العامة، فإن النُّقود في بعض هذه الأماكن لا تعني شيئًا، ولا تندفع بها حاجة المأزومين في الأعم الأغلب، وإذا كان ذلك كذلك فإن الأصلح لهم أن تستجلب لهم مواد إغاثية بأموال الصدقات، وتلك مصلحة يقدرها القائمون على هذه العمليات الإغاثية بما تراكم لديهم من رصيد الخبرات العمليَّة، والتجارب الميدانية، فيدور الأمر في القيمة مع المصلحة البينة الظَّاهرة للفقراء والمساكين وجودًا وعدمًا. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) خميص يعني: طوله خمسة أذرع، ولبيس: أي ملبوس. انظر «فتح الباري» (3/312).