رجل ولد له ثلاثة ذكور ولم يَعُقَّ عنهم، والآن كبروا وتزوج اثنان منهم والثالث يعمل، وكلهم وأبوهم جميعًا مقتدرون ماديًّا والحمد لله رب العالمين.
والسؤال هو: هل يعقُّ عنهم أبوهم الآن، أم الأفضل أن يعق كل واحد منهم عن نفسه؟ وهل يجزئ أن يجمع الأب نيات العقيقة عنهم جميعًا في ذبيحة واحدة تكون بقرة مثلًا؟ ولو أنهم هم الذين سيعقون عن أنفسهم فهل يصح لهم أن يجتمعوا في ذبيحة واحدة كما ذكر؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن العقيقة من أمر المسلمين الذي كانوا يكرهون تركه، وقد أفرط فيها رجلان قال أحدهما: هي بدعة. والآخر قال: واجبة. والصواب ما عليه الجمهور أنها من السنن المؤكدة.
ولا تسقط العقيقة ببلوغ الولد، فإذا كان الأب قادرًا استحب له أن يعق عن أبنائه الذين لم يعق عنهم، وإذا لم يعق الوالد عن ولده، فهل يشرع للولد أو لغيره أن يعق عن نفسه؟ خلاف بين الفقهاء، والذي يظهر أنه يشرع ذلك ويستحب.
قال ابن قدامة : في «المغني»: «وإن لم يعق أصلًا فبلغ الغلام وكسب فلا عقيقة عليه. وسئل أحمد عن هذه المسألة فقال: ذلك على الوالد. يعني لا يعق عن نفسه؛ لأن السنة في حق غيره. وقال عطاء والحسن: يعق عن نفسه؛ لأنها مشروعة عنه، ولأنه مرتهن بها، فينبغي أن يشرع له فكاك نفسه. ولنا أنها مشروعة في حق الوالد، فلا يفعلها غيره، كالأجنبي وكصدقة الفطر». انتهى.
وقال ابن القيم : في «تحفة المودود في أحكام المولود»: «الفصل التاسع عشر: حكم من لم يعق عنه أبواه هل يعق عن نفسه إذا بلغ:
قال الخلال: باب ما يستحب لمن لم يعق عنه صغيرًا أن يعق عن نفسه كبيرًا، ثم ذكر من مسائل إسماعيل بن سعيد الشالنجي قال: سألت أحمد عن الرجل يخبره والده أنه لم يعق عنه، هل يعق عن نفسه؟ قال: ذلك على الأب.
ومن مسائل الميموني قال: قلت لأبي عبد الله: إن لم يُعق عنه، هل يَعُق عنه كبيرًا؟ فذكر شيئًا يروى عن الكبير ضعفه، ورأيته يستحسن: إن لم يعق عنه صغيرًا أن يعق عنه كبيرًا وقال: إن فعله إنسان لم أكرهه.
قال: وأخبرني عبد الملك في موضع آخر أنه قال لأبي عبد الله: فيعق عنه كبيرًا. قال: لم أسمع في الكبير شيئًا. قلت: أبوه معسر ثم أيسر فأراد ألا يدع ابنه حتى يعق عنه؟ قال: لا أدري ولم أسمع في الكبير شيئًا. ثم قال لي: ومن فعله فحسن، ومن الناس من يوجبه». انتهى.
قال الشيخ ابن باز : بعد نقل هذا الكلام: «والقول الأول أظهر، وهو أنه يستحب أن يعق عن نفسه؛ لأن العقيقة سنة مؤكدة، وقد تركها والده فشرع له أن يقوم بها إذا استطاع؛ ذلك لعموم الأحاديث ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ غُلَامٍ مُرتَهنٌ بِعَقِيقَتِه تُذبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحلَقُ وَيُسَمَّى». أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن عن سمرة بن جندب رضى الله عنه بإسناد صحيح.
ومنها: حديث أم كرز الكعبية عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أمر أن يُعق عن الغلام بشاتين وعن الأنثى بشاة. أخرجه الخمسة. وخرج الترمذي وصحح مثله عن عائشة.
وهذا لم يوجه إلى الأب؛ فيعم الولد والأم وغيرهما من أقارب المولود». (مجموع فتاوى الشيخ ابن باز).
أما عن الاشتراك في العقيقة فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: يجوز ذلك. وهو قول الشافعية، قال النووي: «ولو ذبح بقرة أو بدنة عن سبعة أولاد أو اشترك فيها جماعة جاز، سواء أرادوا كلهم العقيقة أو أراد بعضهم العقيقة وبعضهم اللحم، كما سبق في الأضحية».
وقال الحافظ ابن حجر: «وذكر الرافعي بحثًا أنها تتأدى بالسُّبُع كما في الأضحية».
القول الثاني- وهو الأرجح فيما يظهر لنا: أنه لا يجوز الاشتراك في العقيقة، فإذا أراد شخص أن يَعُقَّ ببقرة أو جزور فيجوز ذلك عن مولود واحد فقط. وهو قول الحنابلة ونص عليه الإمام أحمد.
قال الخلال في «جامعه»: باب حكم الجزور عن سبعة: أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد أنه قال لأبي عبد الله الإمام أحمد: يعق بجزور. وقال الليث: قد عق بجزور. قلت: يعق بجزور عن سبعة؟! أنا لم أسمع في ذلك بشيء، ورأيته لا ينشط لجزور عن سبعة في العقوق.
فالحنابلة يرون أن الرأس من البقر أو الإبل يجزئ عن مولود واحد فقط، ولا يصح أن تكون البقرة عن سبعة ولا الناقة عن سبعة، قال المرداوي: ولو عق ببدنة أو بقرة لم يجزئه إلا كاملة.
وحجة الشافعية القياس على الأضحية والهدي، حيث يجوز الاشتراك في الأضحية والهدي والبدنة أو البقرة عن سبعة أشخاص؛ فقد ورد في الحديث عن جابر قال: نحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. رواه الترمذي وقال: «هذا حديث صحيح حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم».
وحجة الحنابلة في عدم الجواز عدم ورود دليل على ذلك.
قال العلامة ابن عثيمين معلقًا على قول موسى الحجاوي المقدسي: وحكمها كالأضحية، إلا أنه لا يجزئ فيها شِرْك في دم- أي العقيقة لا يجزئ فيها شِرْك دم- فلا تُجزئ البعير عن اثنين، ولا البقرة عن اثنين، ولا تجزئ عن ثلاثة ولا عن أربعة من باب أولى.
ووجه ذلك أولًا: أنه لم يرد التشريك فيها، والعبادات مبنية على التوقيف.
ثانيًا: أنها فداء، والفداء لا يتبعض؛ فهي فداء عن النفس، فإذا كانت فداء عن النفس فلابد أن تكون نفسًا، والتعليل الأول لا شك أنه الأصوب؛ لأنه لو ورد التشريك فيها بطل التعليل الثاني، فيكون مبنى الحكم على عدم ورود ذلك.
وعلل ابن القيم عدم جواز الاشتراك في العقيقة بكلام لطيف حيث قال: «لما كانت هذه الذبيحة جارية مجرى فداء المولود كان المشروع فيها دمًا كاملًا لتكون نفسٌ فداء نفسٍ، وأيضًا فلو صح فيها الاشتراك لما حصل المقصود من إراقة الدم عن الولد، فإن إراقة الدم تقع عن واحد ويحصل لباقي الأولاد إخراج اللحم فقط، والمقصود نفس الإراقة عن الولد، وهذا المعنى بعينه هو الذي لحظه من منع الاشتراك في الهدي والأضحية، ولكن سنة رسول الله أحق وأولى أن تتبع، وهو الذي شرع الاشتراك في الهدايا وشرع في العقيقة عن الغلام دمين مستقلين لا يقوم مقامهما جزور ولا بقرة، والله أعلم».
كذا قال: وينبغي أن يقال: سبع جزور ولا سبع بقرة.
ومع أن الحنابلة ممن يرون أن حكم العقيقة هو حكم الأضحية إلا أنهم استثنوا هذه المسألة من ذلك، كما ذكر المرداوي: ويستثنى من ذلك أنه لا يجزئ فيها شرك في بدنة ولا بقرة.
وقال ابن القيم: ولا يجزئ الرأس إلا عن رأس، هذا بتمامه تخالف فيه العقيقة الأضحية والهدي. والله تعالى أعلى وأعلم.
حكم العقيقة عن الكبير، وحكم الاشتراك فيها
تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية: 06 المناسك