ما حكم التسمية بأبي القاسم؟ لقد رزقت بولد ويرغب والدي في تسميته أبا القاسم فكرهت ذلك لما سمعته من النهي عن التكنية بكنية النبي ﷺ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
لقد ورد في النهي عن التكنية بكنية النبي صلى الله عليه وسلم جملة من الأحاديث أوردها مسلم في «صحيحه» وعنون لها بقوله: «باب: النهي عن التكني بأبي القاسم»، ومن هذه الأحاديث:
عن أنس قال: نَادَىَ رَجُلٌ رَجُلًا بِالْبَقِيعِ: يَا أَبَا الْقَاسِم، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي لَمْ أَعْنِكَ، إنَّمَا دَعَوْتُ فُلانًا. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : ««تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي»»(1).
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إلى الله عَبْدُ الله وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ»(2).
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله ب قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلامٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا، فَقَالَ لَهُ قَوْمهُ: لا نَدَعُكَ تُسَمِّي بِاسْمِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية: فَقُلْنَا: لا نكنيكَ بِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَسْتَأْمِرَهُ. فَانْطَلَقَ بِابْنِهِ حَامِلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسولَ الله، وُلِدَ لِي غُلامٌ فَسَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا فَقَالَ لِي قَوْمِي: لا نَدَعُكَ تُسَمِّي بِاسْمِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم . فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «تَ«سَمَّوْا بِاسْمِي وَلا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، فَإِنَّمَا أنا قَاسِمٌ، أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ»»، وفي رواية: «فَإِنِّي أنا أَبُو الْقَاسِمِ، أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ»(3).
هذا وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على مذاهب كثيرة:
أحدها: مذهب الشافعي وأهل الظاهر أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلًا سواء كان اسمه محمدًا أو أحمد أم لم يكن؛ لظاهر هذا الحديث.
والثاني: أن هذا النهي منسوخ، فإن هذا الحكم كان في أول الأمر لهذا المعنى المذكور في الحديث ثم نسخ، قالوا: فيباح التكني اليوم بأبي القاسم لكل أحد سواء من اسمه محمد وأحمد وغيره، وهذا مذهب مالك.
قال القاضي: وبه قال جمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء قالوا: وقد اشتهر أن جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول وفيما بعد ذلك إلى اليوم مع كثرة فاعل ذلك وعدم الإنكار.
الثالث: مذهب ابن جرير أنه ليس بمنسوخ، وإنما كان النهي للتنزيه والأدب لا للتحريم.
الرابع: أن النهي عن التكني بأبي القاسم مختص بمن اسمه محمد أو أحمد، ولا بأس بالكنية وحدها لمن لا يسمى بواحد من الاسمين. وهذا قول جماعة من السلف وجاء فيه حديث مرفوع عن جابر.
الخامس: أنه ينهى عن التكني بأبي القاسم مطلقًا وينهى عن التسمية بالقاسم لئلا يكنى أبوه بأبي القاسم، وقد غير مروان بن الحكم اسم ابنه عبد الملك حين بلغه هذا الحديث فسماه عبد الملك وكان سماه أولًا القاسم، وفعله بعض الأنصار أيضًا.
السادس: أن التسمية بمحمد ممنوعة مطلقًا سواء كان له كنية أم لا، وجاء فيه حديث عن النبي ﷺ: «تُسَمُّونَ أَوْلَادَكُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ تَلْعَنُونَهُمْ»(4).
وكتب عمر إلى الكوفة: لا تُسَمُّوا أحدًا باسم نبي. وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم «محمد» حتى ذكر له جماعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم في ذلك وسماهم به فتركهم.
قال القاضي: والأشبه أن فعل عمر هذا إعظام لاسم النبي صلى الله عليه وسلم لئلا ينتهك الاسم كما سبق في الحديث: ««تُسَمُّونَهُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ تَلْعَنُونَهُمْ»».
وقيل: سبب نهي عمر أنه سمع رجلًا يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب: فعل الله بك يا محمد.. فدعاه عمر فقال: أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسب بك، والله لا تدعى محمدًا ما بقيت. وسماه عبد الرحمن.
والذي يبدو لي بعد استعراض هذه الآراء أن النهي عن ذلك أنه على سبيل التنزيه، وأنه يحسن تجنبه خروجًا من الخلاف. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «البيوع» باب «ما ذكر في الأسواق» حديث (2120)، ومسلم في كتاب «الآداب» باب «النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء» حديث (2131).
(2) أخرجه مسلم في كتاب «الآداب» باب «النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء» حديث (2132).
(3) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «فرض الخمس» باب «قول الله تعالى: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: 41]» حديث (3114)، ومسلم في كتاب «الآداب» باب «النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء» حديث (2133).
(4) أخرجه الحاكم في «مستدركه» (4/325) حديث (7795)، وأبو يعلى في «مسنده» (6/116) حديث (3386)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/48) وقال: «رواه أبو يعلى والبزار وفيه الحكم بن عطية وثقه ابن معين وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح»، وذكره الألباني في «ضعيف الجامع» حديث (2436).