الإحرام على غير طهارة جهلًا

بعد زواجي علمت بأن من طافت على غير طهارة (حدث أكبر) تُعتبر محرمة وعلى رأي الجمهور يعتبر نكاحها فاسد. اتصلت على قاض شرعي، وأخبرني بأنه ما دمت أجهل الحكمَ فعُمرتي صحيحة وعقد زواجي صحيح ولا داعي لتصحيح الوضع.
لكن بما أن لديَّ وسواسًا قهريًّا أخذ الموضوع يشغل بالي حتى قرأتُ بأحدِ المواقع أن الشيءَ الوحيد الذي يحل الإحرام هي الرِّدَّه والعياذ بالله، فكأن بداخلي عزمت على حَلِّ إحرامي بها، أستغفر الله حزنت حزنًا شديدًا لما حدث وأصبت باكتئاب وندم شديد؛ حيث لم يخطر ببالي يومًا أن أقدم على هذا الفعل.
وقرأت بالمواقع الإسلامية أن العزم على الردة كفر يُخرج من الملة مما زاد حالتي حرجًا، بعدها كلمت عددًا من المفتين أغلبهم أخبرني بأنه لا حرج عليَّ بالأخذ بالرخصة، وهو قول من لم يشترط الطهارة عند الطواف، وفعلًا أخذت بهذا الرأي وأمضيته، لكن عند تذكري لموضوع الردة أخاف من أن يكون لها حكم مستقلٌّ، حيث وقعت وأنا على علم بمن يقول بفساد عقد النكاح، ووقتها لم أتيقن برأيِ من أخذَ بفساد النكاح بسبب الطواف على غير طهارة أو بصحَّة النكاح؛ لأن الطهارة ليست شرطًا للطواف.
فما حكم عقد زواجي الآن؟ هل الردة بهذه الحالة (وهي عدم استقراري على رأي وترددي بين رأي الجمهور ورأي أبي حنيفة) يفسد النكاح؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فتكمن محنتك يا أمة الله في تسوق الفتاوى من مواقع الإنترنت والتقلُّب بينها يمنة ويسرة، فيجتمع لك منها الصواب والخطأ، وما يكون منها صوابًا قد لا تحسنين فهمه ووضعه في موضعه الصحيح.
والمشروع لمن نزلت به نازلة أن يرفعها إلى من يثق في دينه وعلمه من أهل الفتوى، فيصدر عن قوله، ولا يكثر من التردُّد والتقلُّب بين المفتين يمنة ويسرة؛ فإن هذا أبعد له عن التشويش وتكدير الخاطر.
أما بالنسبة للعمرة فمذهب جماهير أهل العلم(1) أن الطهارة شرط في صحة الطواف، وأن عُمرة من طافت بغير طهارة عمرة فاسدة، وعليها أن ترجع إلى الحرم، وتطوف ثم تتحلَّل، فهي لا تزال محرمة منذ ذلك التاريخ، ويلزمها أن تعتزل زوجها حتى تستكمل عمرتها، وما جرى منه قبل هذا من محظورات الإحرام فهو في محل العفو لعذرها بالجهالة.
أما بالنسبة للنكاح فإن كان زواجها سابقا لعمرتها فزواجها صحيح، ولا علاقة لفساد عمرتها بنكاحها الذي استقرَّ من قبل.
ولكن إن كانت تزوجت بعد ذلك وهي لا تزال عالقة بالإحرام لأنها لما تستكمل عمرتها بعد فهنا يأتي خلاف أهل العلم، وإن جددت عقدها على سبيل الاحتياط كان ذلك أولى وأوفى بالذمة، وإن لم تفعل فأرجو أن يكون نكاحها صحيحًا تبعًا لمن قال بتصحيحه من أهل الفتوى.
أما بالنسبة للردَّة فقد كانت مجرد خاطر عرض لك أثناء النظر في حلول لهذه المشكلة، ولم تكن عزمًا مستقرًّا، وقد تبت إلى الله تعالى منه، والله جل وعلا يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات(2)، والأعمال لا تبطل بمجرَّد الردة، بل بالموت عليها، فأرجو أن يكون هذا الخاطر بعد التوبة في محل العفو، ولا أثر له على صحة نكاحك لاسيما مع حالة الوسوسة التي تعانين منها. والله تعالى أعلى وأعلم.

_____________________

(1) جاء في «التلقين» من كتب المالكية (1/ 87) (والأفضل في أفعال الحج كلها أن تكون بطهارة فإن أتى بها محدثا جاز إلا الطواف فلا يجوز إلا بطهارة).
وجاء في«مواهب الجليل» من كتب المالكية (1/ 262) (فالوضوء الفرض لكل عبادة لا يصح فعلها إلا بطهارة كالصلاة والطواف فرضهما ونفلهما ولمس المصحف)
وجاء في«المجموع» (8/ 17) من كتب الشافعية (لا يصح الطواف الا بطهارة سواء فيه جميع انواع الطواف هكذا جزم به الشافعي).
وجاء في «المغني» (3/ 397) من كتب الحنابلة (ويكون طاهرا في ثياب طاهرة يعني في الطواف وذلك لأن الطهارة من الحدث والنجاسة والستارة شرائط لصحة الطواف في المشهور عن أحمد وهو قول مالك و الشافعي وعن أحمد أن الطهارة ليست شرطا).

(2) قال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25].

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 المناسك

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend