هل يجب على الحاجِّ أن ينيبَ مَن يضحي عنه في بلده أو هل على الحاج أضحية؟ جزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد اختلف العلماء في حكم الأضحية للحاجِّ، فمنهم قائل بالمشروعية، سواء الاستحباب أم الوجوب، ومنهم من قال بعدم المشروعيَّة وهم الأحناف(1) والمالكيَّة(2)، والذين قالوا بعدم مشروعيَّة الأضحية للحاجِّ اختلفوا في سبب ذلك على قولين:
الأول: أن الحاجَّ ليس له صلاةُ عِيد، ونُسُكه هو هَدْي التمتُّع أو القِران.
والثَّاني: أن الحاجَّ مسافرٌ، والأضحية مشروعة للمُقيمين، وهذا قول أبي حنيفة. وعنده أن الحاجَّ إن كان من أهل مكة فهو غير مسافر، وتجب عليه الأضحية.
أما الشافعي(3) والحنابلة فقد قالوا بالمشروعيَّة، قال الشَّافعي :: «والحاجُّ المكي والمنتوي، أي المنتقل المتحوِّل من بلد إلى بلد، والمسافر والمقيم والذَّكر والأنثى ممن يجد ضحية، سواء كلهم لا فرق بينهم، إن وجبت على كلِّ واحد منهم وجبت عليهم كلهم، وإن سقطت عن واحدٍ منهم سقطت عنهم كلهم، ولو كانت واجبةً على بعضهم دون بعض كان الحاجُّ أولى أن تكونَ عليه واجبةً؛ لأنها نُسُكٌ، وعليه نسك، وغيره لا نُسُكَ عليه، ولكنه لا يجوز أن يُوجب على النَّاس إلا بحجَّة، ولا يُفرَّق بينهم إلا بمثلها»(4). انتهى.
وقال ابن قُدَامة :: «فإن لم يكن معه هَدْيٌ وعليه هَدْيٌ واجبٌ اشتراه، وإن لم يكن عليه واجب فأحبَّ أن يُضحِّيَ اشترى ما يُضحِّي به»(5).
وقد جاء في الحديث المُتَّفق عليه عن عائشة ل: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ضحَّى عن نسائه بمِنًى في حجَّة الوداع(6).
وقد ردَّ بعضُ أهل العلم كابن القيم الاستدلالَ بهذا الحديث، وقالوا: إن المرادَ بالأضحية هنا- الهدي.
واختار المالكيَّة أنه لا أضحية على الحاجِّ لكونه حاجًّا لا لكونه مسافرًا. ففي «المدونة»: «قال لي مَالِكٌ: ليس على الحَاجِّ أُضحيةٌ، وإن كان من ساكني مِنًى بعد أن يكونَ حاجًّا، قُلتُ: فالنَّاس كلُّهُم عليهم الأَضَاحي في قَولِ مَالِكٍ إلَّا الحَاجَّ؟ قال: نعم». انتهى(7).
واختار شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة وتلميذُه ابن القيم أن الحاجَّ لا يضحِّي.
فالمسألة من مسائل النظر، والأمر فيها واسعٌ، ولكن يبعد القولُ بالوجوب بل هو إلى الاستحباب أقرب.
والذي يظهر لي أن هذه قربةٌ ونسك لا ينبغي أن يُحرَم منه الحاجُّ إن قَدَر على ذلك واتَّجهت إليه هِمَّتُه، وفي قضيَّتنا تلك يستطيع الحاجُّ أن يترك لأهله نقودًا يشترون بها أضحية ويُضَحُّون في موطنهم، ويُقدِّم هو في الحجِّ هَدْيًا، ونكون بهذا قد جمعنا بين الأَدِلَّة، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) جاء في «بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (5/63-64): «ولا تجب الأضحية على الحاج؛ وأراد بالحاج المسافر فأما أهل مكة فتجب عليهم الأضحية وإن حجوا؛ لما روى نافع عن ابن سيدنا عمر رضي الله عنهما أنه كان يخلف لمن لم يحج من أهله أثمان الضحايا ليضحوا عنه تطوعا ويحتمل أنه ليضحوا عن أنفسهم لا عنه فلا يثبت الوجوب مع الاحتمال».
(2) جاء في «التاج والإكليل» من كتب المالكية (4/362-363): «قال مالك : الأضحية سنة واجبة لا ينبغي تركها لقادر عليها من أحرار المسلمين إلا الحاج فليست عليهم أضحية».
(3) جاء في «تحفة المحتاج» من كتب الشافعية (9/343-346): «مذهبنا أن التضحية (سنة) في حقنا لحر أو مبعض مسلم مكلف رشيد نعم للولي الأب أو الجد لا غير التضحية عن موليه من مال نفسه كما يأتي قادر بأن فضل عن حاجة ممونه ما مر في صدقة التطوع ولو مسافرا وبدويا وحاجا بمنى وإن أهدى خلافا لمن شذ».
وجاء في «مغني المحتاج» من كتب الشافعية (6/122-124): «تنبيه: شمل كلام المصنف أهل البوادي والحضر والسفر والحاج وغيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى في منى عن نسائه بالبقر. رواه الشيخان».
(4) «الأم» (2/225- 226).
(5) «المغني» (3/220).
(6) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأضاحي» باب «من ذبح ضحية غيره» حديث (5559)، ومسلم في كتاب «الحج» باب «بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج» حديث (1211)، وفيه: «وضحى رسول الله ﷺ عن نسائه بالبقر».
(7) «المدونة» (3/73).