الأضحية بالحيوانات المسمنة التي لم تبلغ السن الشرعي

كل عام أنتم بخير، وأرجو ألا تنساني من دعائك في هذه الأيام المباركة.
أرجو استفتاء سيادتكم حول حجم مشاركة السبعة في بقرة دون العامين، لكن وزنها كبير، وطرق العلف والتسمين اختلفت عن عهد النبي ﷺ، ومن ثم يكون الذبح عادةً بعد عامٍ أو عام ونصف. والقول بأن شرط العامين كان للحصول على وزن معين، والآن غالبًا وزن عامين يكون أقل من وزن عام ونصف للأسباب السابقة. وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الذي عليه جماهير أهل العلم هو اعتبار السن في الأضحية، وأن أمر السن أمر تعبديٌّ، وليس لمجرد اللَّحم، وهو قول الصحابة والتابعين وعلماء المذاهب الأربعة، بل نقل بعض الفقهاء الإجماع عليه، ومن الأدلة على ذلك:
• ما رواه الإمام مسلم في «صحيحه»: أن رسولَ الله ﷺ قال: «لَا تَذْبَحُوا إِلا مُسِنَّةً إِلا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ»(1).
وما رواه البخاري ومسلم: عن البراء بن عازب ب قال: ضحَّى خالٌ لي يقال له: أبو بردة. قبل الصلاة، فقال له رسول الله ﷺ: «شَاتُكَ شَاةُ لَـحْمٍ». فقال: يا رسول الله، إن عندي داجنًا جَذَعة من الـمعز. وفي رواية: عناقًا جَذَعة(2). وفي رواية للبخاري: فإن عندي جَذَعةً هي خيرٌ من مُسِنَّتين، آذْبَحُها؟(3) قال: «اذْبَحْهَا، وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ»(4). وفي رواية: «لَا تُجْزِئ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»(5).
وفي روايةٍ أخرى عند مسلم عن البراء بن عازب قال: خَطَبَنا رسولُ الله ﷺ في يومِ نَحْرٍ فقال: «لَا يُضَحِّيَنَّ أَحَدٌ حَتَّىَ يُصَلِّيَ» قال رجلٌ: عندي عناق لبن هي خيرٌ من شاتي لحم. قال «فَضَحِّ بِهَا، وَلَا تُجْزِئُ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»(6).
والعَناق: بفتح العين، وهي الأنثى من المعز إذا قويت ما لم تستكمل سنةً. وجَمْعها: أعنق، وعنوق.
وأما قوله: عناق لبن: فمعناه صغيرة قريبة مما ترضع.
وجه الدلالة: أن جَذَعةَ الماعز كانت كما قال أبو بردة بن نيار: خيرًا من مسنة. وفي رواية: هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ. ومع ذلك أباحها النبي رخصةً له فقط، ولم يُجِزْها لغيره: «لَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»(7)، فدل أن المقصودَ السنُّ لا اللحم.
قال النووي في «المجموع»: «أجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني، ولا من الضأن إلا الجذع»(8). اهـ.
وقال ابن القيم في «تهذيب السنن»: «قوله: ولن تجزئ عن أحد بعدك. وهذا قطعًا ينفي أن تكون مجزئةً عن أحدٍ بعده»(9). انتهى.
وقال النووي: «قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع- أي: من الإبل والبقر والمعز- من غير الضأن في حالٍ من الأحوال، وهذا مُجمَعٌ عليه»(10). اهـ.
والثني من الإبل: ما تمَّ له خمس سنين. والثني من البقر: ما تم له سنتان. والثني من الغنم: ما تم له سنة. والجذع: ما تم له نصف سنة.
فلا تصحُّ التضحيةُ بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن، فهذا الذي تشهد له الأدلة.
وقد خالف في هذا بعضُ أهل العلم، من بينهم مفتي مصر، ووافقه على ذلك بعض أساتذة جامعة الأزهر، فقال: إن شرط السِّن يُقصد به اللحم، فإذا كانت الصغيرة تُكافئ المسنَّةَ من حيث اللحم أو تفوق عليها فلا حرج في التضحية بها، وقد روي هذا عن عطاء والأوزاعي من السلف، ونُسب إلى بعض المالكية، وهو اختيار المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث.
وظاهر الأدلة يشهد بخلاف ذلك؛ فالذي نُفتي به هو ما عليه الجمهور، لاسيما مع ما للنضج الطبيعي والنمو المعتاد من دورٍ في طيب لحم هذه الأنعام. والله تعالى أعلى وأعلم.

________________________

(1) أخرجه مسلم في كتاب «الأضاحي» باب «سن الأضحية» حديث (1963)، من حديث جابر بن عبد الله ب.

(2) أخرجها أبو داود في كتاب «الضحايا» باب «ما يجوز من السن من الضحايا» حديث (2800)، وصححها الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2800).

(3) أخرجها البخاري في كتاب «الأضاحي» باب «من ذبح قبل الصلاة أعاد» حديث (5563).

(4) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأضاحي» باب «قول النبي ﷺ لأبي بردة: ضح بالجَذَع من المَعْز ولن تجزي عن أحد بعدك» حديث (5556)، ومسلم في كتاب «الأضاحي» باب «وقتها» حديث (1961).

(5) أخرجها الدارمي في كتاب «الأضاحي» باب «في الذبح قبل الإمام» حديث (1962).

(6) أخرجه مسلم في كتاب «الأضاحي» باب «وقتها» حديث (1961).

(7) أخرجها أبو داود في كتاب «الضحايا» باب «ما يجوز من السن من الضحايا» حديث (2800) من حديث البراء بن عازب ب.

(8) «المجموع» (8/366).

(9) «حاشية ابن القيم على سنن أبي داود» (7/352).

(10) «شرح النووي على صحيح مسلم» (13/117).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   06 المناسك

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend