نقل الميت بناء على وصيته

ما حكم نقل الميت إلى مكان آخر بناء على وصية أوصى بها؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل أن يُدفن الميت في مقابر البلد الذي ماتَ فيه، وأن يُدفن الشهداء حيث ماتوا، فلا يجوز نقلُه إلا لغرض صحيح، كخَشية الاعتداء على قبره، أو انتهاك حرمته لخصومة، أو استهتارٍ وعدم مبالاة، فيجب نقله إلى حيث يُؤمَن عليه، أو لتطييب خاطر أهله، فينقل إلى بلده ليكون قريبًا منهم ليتمكنوا من زيارته.
والشرط في هذا كله أن يؤمن على جُثَّتِه من التغيُّرِ، وأن لا تنتهك بسبب ذلك حرمتُه أثناء القيام بإجراءات النقل.
قال ابن قدامة في «المغني»: «ويستحب دفنُ الشهيد حيثُ قُتل. قال أحمد: أما القتلى فعلى حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ادْفِنُوا الْقَتْلَى فِي مَصَارِعِهِمْ»(1). وروى ابن ماجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحُدٍ أن يُرَدُّوا إلى مصارعهم(2).
فأما غيرهم فلا يُنقل الميت من بلده إلى بلد آخر إلا لغرض صحيح. وهذا مذهب الأوزاعي، وابن المنذر. قال عبد الله بن أبي مليكة: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشة، فحمل إلى مكة فدُفِنَ، فلما قدمت عائشة أتت قبرَه ثم قالت: والله لو حضرتُك ما دُفِنْت إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زُرتك. ولأن ذلك أخفَّ لمؤنته وأسلمَ له من التغيير. فأما إن كان فيه غرضٌ صحيح جاز.
وقال أحمد: ما أعلم بنقل الرجل يموت في بلده إلى بلد أخرى بأسًا.
وسُئل الزهري عن ذلك فقال: قد حُمل سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، من العقيق إلى المدينة.
وقال ابن عيينة: مات ابن عمر هنا، فأوصى أن لا يدفن هاهنا، وأن يدفن بسَرَف»(3).
وتوجيه هذه الآثار- إن صحت- أن مناطها الحاجة الشرعية المعتبرة.
وقد صدرت فتوى عن اللجنة الدائمة للإفتاء ببلاد الحرمين حول نقل الميت من بلد إلى آخر، نسوقها بنصها تتميمًا للفائدة:
((كانت السُّنة العمليَّة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أصحابه أن يُدفن الموتى في مقابر البلد الذي ماتوا فيه، وأن يُدفن الشهداء حيث ماتوا، ولم يثبت في حديث ولا أثرٍ صحيح أن أحدًا من الصحابة نُقِل إلى غير مقابر البلد الذي مات فيه أو في ضاحيته أو مكان قريب منه.
ومن أجل هذا قال جمهور الفقهاء: لا يجوز أن ينقل الميت قبل دفنه إلى غير البلد الذي مات فيه إلا لغرض صحيح، مثل أن يُخشى من دفنه حيثُ مات من الاعتداء على قبره، أو انتهاك حرمته لخصومةٍ، أو استهتارٍ وعدم مبالاةٍ، فيجب نقله إلى حيث يؤمن عليه، ومثل أن ينقل إلى بلده تطييبًا لخاطر أهله وليتمكنوا من زيارته؛ فيجوز.
وإلى جانب هذه الدواعي وأمثالها اشترطوا أن لا يُخشى عليه التغيُّرُ من التأخير، وأن لا تُنتهك حرمته، فإن لم يكن هناك داعٍ أو لم توجد الشروط لم يجز نقله.
فترى اللجنة أن يُدفن كلُّ ميت في مقابر البلد الذي مات فيه، وأن لا ينقلوا إلا لغرض صحيح عملًا بالسنة، واتباعًا لما كان عليه سلف الأمة، وسدًّا للذريعة، وتحقيقًا لما حث عليه الشرع من التعجيل بالدفن، وصيانة للميت من إجراءات تُتَّخذ في جثته لحفظها من التغيُّر، وتحاشيًا من الإسراف بإنفاق أموال طائلة من غير ضرورة ولا حاجة شرعية تدعو إلى إنفاقها، مع مراعاة حقوق الورثة، وتغذية المصارف الشرعية وأعمال البِرِّ التي ينبغي أن يُنفق فيها هذا المال وأمثاله.
وعلى هذا حصل التوقيع، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه)).
ومن فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء ببلاد الحرمين كذلك إجابتها للسؤال الرابع عشر من الفتوى رقم (2922) ونص السؤال الذي وُجِّه إليها ما يلي:
بعض المسلمين في بريطانيا ينقلون جثمان موتاهم إلى أوطانهم، فهل يجوز ذلك؟
فأجابت: ((نعم يجوز لهم أن ينقلوا موتاهم إلى مقابر في بلاد إسلامية، ولهم أن يتخذوا مقابرَ خاصة يدفن فيها المسلمون فقط، وعليهم أن يتحولوا من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، إلا من كان عالمًا بشريعة الإسلام، آمنًا على نفسه ودينه، وبقي مجتهدًا في نشر الإسلام، مؤملًا أن يهتدي على يديه أناس، فيجوز له البقاءُ لذلك، وقد يجب عليه ذلك لإقامة الحجة وبيان الحق)).

______________
(1) أخرجه النسائي في كتاب «الجنائز» باب «أين يدفن الشهيد؟» حديث (2005).
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب «ما جاء في الجنائز» باب «ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم» حديث (1516).
(3) «المغني» (2/380).

تاريخ النشر : 29 سبتمبر, 2025
التصنيفات الموضوعية:   03 الجنائز
التصنيفات الفقهية:  

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend